د. محمد بن إبراهيم الملحم
الأحد أول أيام أسبوعنا الحالي وهو الثامن عشر من ديسمبر حيث يوافق «يوم اللغة العربية» وهذا اليوم في الواقع هو مطبّ مزعج (ولا أجد بديلاً مناسباًَ عن مفردة «مطبّ» لأجعل التعبير أكثر وقعاً) لأنه يأتي في وقت تكون فيه المدارس بأوج نشاطها، ولابد لها أن تحتفل به أو تذكّر به وتحتفي باللغة العربية التي في الأصل لا يحتفي بها منسوبوها، وليس ذلك لشيء في نفوسهم نحوها ولكن لإهدارهم في الأصل قيمتها وإعراضهم عنها فغدت بينهم وبينها غربة، كما تعترضهم في طريقها صعوبة ويُكِلُّ مسيرهم نحوها الملل والجفوة، ولذلك فإن يوما للغة العربية هو «مطبٌّ» يعيق مسيرة سيارة المدرسة المنطلقة بـ «حرية» لغوية، هذا إذا تأملنا حال أغلب معلمينا ومعلماتنا ومن معهم من المديرين وبقية موظفي التعليم بالمدرسة العادية أقصد مدرسة التعليم العام، فحديثهم بالفصحى عسير ووعيهم لأبسط مكوناتها (تمييز المرفوع والمجرور والمنصوب) منخفض جداً، وعنايتهم بتحسين قدراتهم فيها رميت عند آخر مقرر لغة عربية مزعج من متطلبات الجامعة، أما خطوطهم فهي من أبشع ما يمكنك مطالعته (إلا ما رحم ربي) والسبورة تئن مما يطبع على وجهها يومياً من الخطوط التي «تُفشّل» عوضاً أن تكون خطوط معلمين يفترض أن يقتدي بهم أبناؤنا الطلاب فتتحسن خطوطهم! ولي أن أقول اليوم بعد سنوات كثيرة من تردي التعليم أن الخطوط التي نراها على سبورات معلمي اليوم هي توقيع رسمي لفشل عدة أجيال من مخرجات التعليم، فهؤلاء المعلمون اليوم هم مخرجات تعليمنا العام حيث كانوا قبل 5-6 سنوات ماضية على مقاعد المرحلة الثانوية يطالعون خطوط معلمي الجيل الذي سبقهم لتنطبع في نتاج يديهم بعدئذ، ونعلم جميعاً أيضاً أن جيل معلميهم أولئك (وقبلهم جيلان أوثلاثة) لا يختلف عن هذا الجيل في رداءة الخط والتي بدأت منذ غادر آخر معلم متميز سلك التعليم (وهو تعبير رمزي لا أكثر لانقراض معلمي الجيل الجاد المتمكن)، لا أقول هذا الوصف تخرصاً واتهاماً ولكني كنت أزور فصول مدارسنا ولا أجد الخط يتحسن سنة بعد سنة، وأسأل اليوم ويقال لي الأمر زاد واستفحل خاصة بعد أن هجر الناس كتابة اليد بسبب انتشار أدوات تكنولوجيا المعلومات الحواسيب والآيبادات والجوالات، وكان يجب أن يكون المعلم أقلهم تأثراً ولكن أنّى يحصل ذلك وهو في الأصل مصدر المعاناة، ولم توجد له برامج عناية ولا أدوات تقويم تستهدف هذه القضية «المهملة» من جهات الإشراف.
أما ما يسمى «مدرسة التعليم الأجنبي أو البرنامج الدولي» فهذه بينها وبين يوم اللغة العربية خرط القتاد، فهي بذاتها وهويتها ودينها اللغوي تعاكس قصد هذا اليوم وتناوئه على طول الخط، وإن لم يكن ذلك صراحة فهو في منطق نشأتها وأساس وجودها، ولاسيما أنها جاءت مولوداً جديداً للتعليم وحازت كل الدلال والإمكانات والتوقعات حتى فاقت من سبقها لا لشيء إلا لأنها غريبة علينا وجب إكرامها وبذل الغالي والنفيس لها خلافاً لمن هي نشأت بيننا وتعبر عنا، وهكذا خلعت هذه المدرسة القادمة من خارجنا هويتها علينا ولاسيما هويتها اللغوية فغدا إتقان طلبتنا للغتها هي أفضل من إتقانهم للغتهم التي ولدوا بها، لا أقصد إتقان الكلام والسوالف ولكن إتقانها كلغة تعلم يفهم بها صاحبها أسهل مما يفهم بلغته العربية ويعبر بها عن مقاصده وأفكاره أفضل مما يعبر بلغته العربية، ولذلك فإن يوماً للغة العربية أمام هذه المدرسة المدللة المحظية بخلع هويتها علينا هو مطبٌّ حقيقي وأزمة كبرى فكيف يمكن لهذه المدرسة أن تحتفي بما قامت بطمسه!
** **
- مدير عام تعليم سابقاً