مها محمد الشريف
الحرب لها آثار ومخاطر وتداعيات وخسائر كبيرة في الأرواح والممتلكات، ويتغيَّر وضعها في الإطار السياسي وقيام التحالفات، ووحدة الجبهة الداخلية واستقرارها، وسنتناول هنا طرفي النزاع بين روسيا وأوكرانيا بما أنهما تشكلان نسبة كبيرة من الصادرات العالمية لعدد كبير من السلع الإستراتيجية وروسيا مصدراً أساسياً للغاز الطبيعي وثاني أكبر مصدر للنفط الخام، حيث تمثّل نحو 25 % من صادرات الغاز الطبيعي العالمي، و18 %من صادرات الفحم، و14 % من صادرات البلاتين، و11 % من صادرات النفط الخام العالمي.
وأوكرانيا وروسيا منتجان رئيسيان للقمح والشعير والذرة والزيت، حيث تمثِّل أوكرانيا وحدها ما يقرب من نصف الصادرات العالمية 42 % بينما تمثّل روسيا 21 % فهما مصدران رئيسان في أسواق الغذاء العالمية، بالتالي فإن الحرب لها تأثير كبير على الأمن الغذائي، وخلفت أزمة غذائية نتيجة ارتفاع أسعار المواد الغذائية وربما النقص في العديد من البلدان التي تعتمد على الصادرات من روسيا أو أوكرانيا.
يظل الخوف مستديم خشية النقص والشح في الصادرات، من ثمَّ فإن المخاطر المحتملة ستؤدي إلى ضغوط بالانخفاض الحاد في المعروض من هذه السلع، وهذا بدوره يؤدي إلى عرقلة أعمال البناء والبتروكيماويات والنقل ويخفض النمو الاقتصادي، وتظل تداعيات هذه الحرب على الأسعار العالمية للنفط والغاز الطبيعي.
ومن أهم النقاط التي يجب ذكرها أن الحرب عامل مغذ لكثير من المتغيِّرات، وكيف تشكل العالم بتحالفاته وتوجهاته المستقبلية التي تنتجها هذه الحرب؟ والتغيير الجذري العالمي بالسياسة الدولية والقطبية، وكيف تعمل أمريكا لاستغلال الموقف وإخضاع أوروبا لها.
يجب أن يستجيب الوعي لإيجاد حل لهذا صراع، وتجنب المواجهة علماً بأن قدوم الشتاء يشكِّل أزمة كبيرة للشعب الأوكراني، فهم يستعدون كل يوم لـ»الضربة النووية» بالملاجئ والحقائب، ويدرك الجنود الأوكرانيون أن المعارك ستكون شرسة.
من المؤكد أن المشهد السياسي اليوم هو الأكثر مشاهدة ومتابعة فالعالم يعاصر ويعايش الأزمة تلو الأزمة ما جعل الأطر السياسية تتغيّر وقد ساهمت في نقل الحياة الطبيعة إلى حياة أخرى يغلب عليها طابع العنف، وظروف بائسة تتصف أحداثها بالمؤسفة والمؤلمة وأخبار القتل والقتلى، حتى أصبح عصرنا يفتقد إلى السلام والاستقرار النفسي، حيث يبدو أن فكرة ضرب أوكرانيا بأسلحة نووية قناعة وضرورة ترسخت في عقول الأوكرانيين.
بهذا القدر من اليأس يجدون أن الواقع لا خيار فيه على الإطلاق، ووسائل الإعلام المرئية والمقروءة ساهمت في معدل التوتر والسباق على اهتمام المشاهد والمتابع وضخ كم هائل من أخبار الحرب والكوارث تحت عنوان خبر عاجل على مدار الساعة، وأصبحت تلعب دوراً مهماً في مجريات الأحداث اليومية، مفردات متضادة في المعنى متقاربة في المسارات السياسية، تفيد بأن التحول من الحرب إلى السلام أشبه بالمستحيل.
ويظل التاريخ يستهدف وصف الحياة بالأحداث والتحديات لكي يتم البحث عن قوانين في مجال السياسة، والقانون هو صيغة المبدأ سواء كان طبيعياً أو سياسياً أو أخلاقياً وتطبيقه يجعل للأشياء مفهوماً يدل على كيفيتها، وتغيير عناصرها وتفسير تناقضاتها، وعندما نسأل هل الحرب شرط في السياسة أم أنه مجرد تقنية تربط بين الوسائل والغايات؟
ولعلنا نستشف من الأحداث الراهنة، أن الحرب سببت الكثير من المشاكل السياسية والاقتصادية والاجتماعية بين روسيا والغرب وبقية الدول، ثم تأتي أصعب الخطوات لفك الارتباط الذي يقيم علاقة تبادلية جدلية، بين السياسة وعلاقتها بالحرب، ويمكن القول إن السياسة تواجه العنف حسب طبيعته ومقداره ونوعه وقد تواجه عنفاً وتترك آخر.