عبدالعظيم العويد
الكبار لا يترددون أبداً في تقديم عبارة الأسف
«أنا آسف» إذا ما بدر منهم ما يستحقها، ولا فرق عندهم لمن تُقدم العبارة، لرجل أو امرأة، صغير أو كبير، فالأسف عند الكبار لا يقتصر على عالية القوم أو الوجهاء وأصحاب المراكز المرموقة، وكلمة «أنا آسف» لا يعتبرها الكبار نقيصة يتهربون منها، أو عيباً يستحيون منه، بل هو خلق يتقرّبون به إلى الله، وسلوك إيجابي يتحلّون به ويُزيِّنون به أخلاقهم. وكلمة «أنا آسف» تخرج من قلوب الكبار قبل أن ينطق بها لسانهم، فيُزيلون غضباً عارماً في النفوس، ويُداوون بها قلباً مكلوماً، أو يجبرون خاطراً مكسوراً، كم من المشاكل والخلافات التي تقع ويكفي لاتقائها مجرد اعتذار بدلاً من تقديم الأعذار والمبررات التي يحاول بها الصغار والضعفاء تبرير أخطائهم، فتتفاقم المشكلة، ويزداد الجرح إيلاماً.
العامة من الناس الذين دأبوا على التهرّب من الاعتذار عن أخطائهم التي ارتكبوها، فالزوج تأخذه العزة بالإثم من الاعتذار لزوجته خوفاً من أن يُنقص ذلك من رجولته، والمدير لا يعتذر لموظفيه خشية أن يعتبرونه ذا شخصية ضعيفة، والمدرس لا يعتذر لتلاميذه إذا أخطأ معهم خوفاً من الاتصاف بعدم التمكّن من مادته.
الكبار يفهمون الاعتذار فهماً راقياً، فلا ضير من الاعتذار لزوجاتهم إذا أخطأوا في حقهن، ولا مانع من الاعتذار لمرؤوسيهم إذا قصروا في أداء الواجبات المنوطة بهم، ولا ينقص من قدرهم إذا اعتذروا ولو كانوا في مراكز قيادية، على العكس تماماً من صغار النفوس، والعامة من الناس الذين دأبوا على التهرّب من الاعتذار عن أخطائهم التي ارتكبوها، فالزوج تأخذه العزة بالإثم من الاعتذار لزوجته خوفاً من أن يُنقص ذلك من رجولته، والمدير لا يعتذر لموظفيه خشية أن يعتبرونه ذا شخصية ضعيفة، والمدرس لا يعتذر لتلاميذه إذا أخطأ معهم خوفاً من الاتصاف بعدم التمكن من مادته? لقد اقتصر الاعتذار بين العامة في الأشياء العابرة الخفيفة مثل الاصطدام الخفيف أثناء المشي، أما في المواقف الجادة والحقيقية والتي تحتاج إلى الاعتذار حتى تستمر عجلة الحياة، ويستقر التعامل بين الأقران نرى التجاهل وعدم المبالاة، والواقع يؤكد ما نقول.
وبصفتي أنا كاتبكم الصغير عبدالعظيم العويد الذي ما زال يحبو في بحور الكتابة أقول لكم: آسف أيها القراء عن كل كلمة خرجت مني نابية أو غير لائقة أو مقال قرأتموه ولم يعجبكم، وآسف لكل مسلم تعرَّفت عليه لاحقاً أو سابقاً وقصَّرت في وده وتواصلي معه، وآسف لكل من أخطأت في حقه ولم أعتذر له، وآسف لكل من أسأت إليه بقصد أو دون قصد، وآسف وآمل أن يصلكم اعتذاري..
فهل تتقبلوا اعتذاري؟
بعضنا يعتقد أن الاعتذار لا يتم إلا إذا اعتقد أنه أخطأ خطأ لا يغفر أو ذنب لا يغتفر، ونتناسى أنه ليس هناك إنسان معصوم عن الخطأ، وأقلهم حظاً وهو الذي يواجه أخطاءه ويتدارك الأخطاء محاولاً إصلاحها قدر الاستطاعة، وهذا هو السعيد في حياته.
الاعتراف بالخطأ شيء جميل وخلق نبيل ونهج نبوي أصيل ومن شيم المسلم الحق، وقدوتنا التي نسير عليها رسول الأخلاق صلى الله عليه وسلم عندما لكز أحد صحابته، لم يكتفِ صلى الله عليه وسلم معتذراً بأن أخرج بطنه ليقتص منه ذلك الصحابي بل قال: «اللَّهم أيما مؤمن سببته فاجعل ذلك له طهوراً»..
وإذا أعتذر لك المخطئ أن تبادر مباشرة بقبول الاعتذار وتتسامح وتعفو حتى إن كنت تعلم أنك على حق ومظلوم، والآخر على باطل وهو الظالم لك متذكراً قوله تعالى: (فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ).
أيها المتخاصمون..! أيها المتشاحنون..! أصبح الاعتذار ثقافة عالمية، وأجمل الاعتذارات أن تعتذر - لنفسك - لزوجك - لطفلك - لعاملك - لأستاذك - لتلميذك..
وليكن منهجك في تعاملك قوله تعالى: {وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ}.