سارا القرني
انتهى عرس الثقافة الكبير في جدة.. معرض جدة الدولي للكتاب، وانقضت معه أيام عشناها مع القراء بروعتها وتفاصيلها، وللحقّ أقول إنّ تنظيم هذه الدورة من المعرض كان مثالياً ورائعاً وناجحاً كما هو الحال في الدورة السابقة لمعرض الرياض الدولي للكتاب، لكنْ.. ولأنّ جدة غير، كانت أجواءُ المعرض أيضاً غير.
الأمسيات الثقافية التي أُقيمت كانت على مستوى يلامس جميع فئات القراء والمتطلعين إلى لقاءات تثري معرفتهم بجديد غير غريب أو ثقيل، وتُحسب هذه الأمسيات للانتقاءات الرائعة التي قدّمتها هيئة الأدب والنشر والترجمة، ولا ننسى أيضاً ندوة النقد الموسيقي الذي زيّن آخر أيام المعرض، كان تحفةً فنية نقديةً بكلّ المقاييس، وكان ضيوف الندوة على قدر التطلّعات.
لفتتني اللمسة الرائعة من هيئة الأدب.. حين استضافت ركن الروايات المصورة الأجنبية بمختلف مجالاتها، وكذلك العرض الرائع للأبطال الخارقين من مختلف الروايات وفي مختلف أركان دور النشر المختصة بهذا النوع من الروايات، أخذتنا الجولة إلى الماضي البعيد.. الذي كنا نجلس فيه أمام التلفاز منتظرين عرض الكارتون المفضل لكلّ شخص منا، الشخصيات متعددة والذكريات كذلك.. لكنّ الأجمل هو مفاجأة المعرض بحضور «طارق العربي» ليؤدي جميع شارات البداية التي غناها في مسيرته الطويلة والجميلة.
كان التفاعل كحفلة غنائية لكبار المغنيين دون مجاملة، كانت الممرات ممتلئةً بالذين يرددون كلّ شارة بكلماتها، أعادنا طارق إلى طفولتنا.. كلّ الباعةِ تقريباً كانوا يدندنون بهمسٍ ويعرضون أسعار الكتب على ألحان موسيقى جزيرة الكنز أو غيرها من الشارات الشهيرة.
ليست الموسيقى وحدها عنوان المعرض.. ولا الطفولة والذكريات، بل الحشد الغفير الذي سار مسافاتٍ طويلة على قدميه حتى يصل إلى بوابات المعرض، الازدحام الرهيب الذي أجبر الناس أن تقف على مسافاتٍ بعيدة من المعرض وتسير على قدميها، لا تسير إلى حفلة غنائية، أو لحضور فعاليةٍ ترفيهية، بل تسير إلى الكتب.. والكتب وحدها.
كنت من بين الذين ساروا على أقدامهم من ملعب الجوهرة حتى مبنى المعرض.. واستمعتُ إلى نقاشات متفرقة عن كيفية انتقاء الكتب، أو عن كتابٍ أذهل قارئه وأصبح يحكي عنه، أو عن بعضهم الذين يتناقشون حول جدوى القراءة عموماً لأنّ أحد أصدقائهم لا يفهم لماذا يهتمون بالقراءة وأراد أن يحضر ليعيش التجربة.
لا أنسى حفاوة المنظمين.. وابتسامتهم لكلّ زائر، لا أنسى تعاون هيئة الأدب والنشر والترجمة في كلّ صغيرةٍ وكبيرةٍ لإنجاح هذا الجمال، وليست مجاملة أو نفاقاً حين أشهد لرئيس الهيئة «الدكتور محمد حسن علوان» الذي كان شعلة حيويةٍ في كلّ أرجاء المعرض، متفحصاً لكلّ تفاصيل الدور والتنظيم، قليلاً ما تفقدهُ في القاعة لأنك تراه أينما ذهبت، وهنيئاً للهيئة والمثقفين وجود هذا الرجل من أجلهم، ولا ننكر إخلاص ومجهودات البقية، ولا يمكنني حصر الفعاليات والندوات والمحاضرات، ولا يمكن تعداد النقلات النوعية في الأفكار المطروحة والمجالات التي تطرح الهيئة فكرتها لتوعي الناس وتدفعهم إلى استغلالها والاستفادة منها كالنشر الرقمي، ومحاضرات الخيال العلمي، والكثير مما أذكره ولا أذكره.
شكراً جدة.. شكراً هيئة الأدب والنشر والترجمة، وشكراً لوزارة الثقافة قبل كلّ شيء وعلى رأسهم سموّ الأمير بدر بن عبد الله آل سعود، شكراً لثقافة القرّاء الذي توّجوا كلّ الجهود لينجح عرس الثقافة في عروس البحر الأحمر.