نجلاء العتيبي
قال الأكثم بن صيفي: «لا تضعوا رقاب الإبل في غير حقّها، فإنها مهر الكريمة ورقوء الدم، بألبانها يُتحَف الكبير ويُغذَّى الصغير».
على جانب الطريق ألمحُ من بعيد -ذَوْدًا من الإبل- مجموعة منها تمشي بحركة جمالية تتبع البرق تبحث عن أماكن هطول الأمطار؛ لتجد المرعى والعشب، يا لهذا الذكاء, تعرف بوصلتها، وتجيد قراءة أفكار راعيها؛ علاقة أزلية منذ آلاف السنين تحمل بين طياتها حكايات محبة ورحمة ورفق بين هذا الكائن والإنسان.
من المستحيل أن تَعْبُر عند رؤيتها بدون أن تتوقف، تتأملها {أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ} (سورة الغاشية: 17).
صدق الله العظيم؛ خالِق هذا المخلوق العجيب.
لونها الزاهي مع انعكاس أشعة الشمس يستثير الإحساس فيفيض غَزلاً بها.
الإبل تحتل مكانة عالية ذُكِرت في القرآن الكريم، وفي تاريخ الثقافة العربية؛ لها قوة وتميز ومنزلة في القلوب عند العرب..
استأنسوها وأنست بهم، رفيق لهم في الترحال..
حملتهم على متونها، وحملوا عشقها في قلوبهم..
شغف ممتدّ توارثه آباؤنا من أجدادنا..
منذ الأزل لها النصيب الأكبر من الاهتمام والرعاية والدلال، مع اختلاف الظروف والإمكانيات والأدوات بين السابق والآن.
ما أعذب رغاؤها وهي تتهادى متبخترة على الرمال الذهبية، ولنشيد الرعاة صدًى يخترق كثبانها سحرًا، يُحوّل الصحراء إلى مكان ممتلئ بالحياة.
علاقة وُدّ حميمة؛ تَعرف صوته، تُميّزه فيصبح ترديده راحة وأمانًا، فتتجاوب معه عن غيره، تجتمع حوله إن كانت متفرقة في لوحة فنية لا مثيل لها؛ سبحان الخالق المبدع في التكوين.
ومع مرور الزمن تطور هذا الحداء في سائر أنحاء البوادي العربية من كلمات بسيطة وهمسات لطيفة، مناداة على عطايا الله؛ إلى قصائد وغناء شعري مُفعَم بالحب والفخر يَصف تفردها وتميزها.
من المبهج والجدير بالذكر والشكر تسجيل المملكة العربية السعودية -بفضل من الله- (حداء الإبل) ضمن القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي لمنظمة الأمم المتحدة (اليونسكو)؛ وذلك لتوثيقه وتسليط الضوء على التراث الوطني عالميًّا، مما يعزز انتشاره واستدامته، وحفظ هذا المخزون الشفهي مِن الاندثار الذي يحمل الكثير من تاريخ الصحراء من خلال حداء القصة والحكاية.
أيضًا نشهد تعزيز مكانتها التاريخية العظيمة من خلال مهرجان الملك عبدالعزيز للإبل بكل أنشطته المتنوعة في مجال الإبل؛ لنشر كل ما يخصها وتعريف أفراد المجتمع والعالم بقيمتها الحضارية والثقافية؛ هادفًا إلى الارتقاء بهذا الموروث التاريخي الوطني العظيم، ونقله إلى الأجيال بطريقة مناسبة لهذا الوقت عبر فاعليته المتجددة كل عام.
نقطة ضوء
«يا حاديَ الرَّكبِ قد لانتْ لك الإبلُ
واستأنسَ الليلُ وانقادتْ لك السبلُ
ورحَّبَتْ كلُّ أرضٍ كان يبلُغُها
عذبُ الحداءِ وفيه البوحُ مشتعلُ
يا حاديَ الرَّكْبِ كم في الركب من دنفٍ
قد شفّه الوجدُ للأحباب يرتحلُ.
«محمد القولي».