عبدالعزيز بن محمد الفريان
هيمنت بطولة كأس العالم لكرة القدم التي اختتمت منافساتها بالشقيقة قطر، على العالمين الواقعي والافتراضي، ورغم اختتامها لا صوت يعلو على أخبارها وكواليسها التي تحمل في بعض من الأحيان مضامين غير رياضية، فالحدث العالمي الذي نظم لأول مرة في أرض عربية، أثبت أن كرة القدم لم تعد مجرد نشاط ترفيهي يسترعي انتباه فئة بعينها من الجماهير، وأن فعالياتها الكبرى كالمونديال هو مسرح عالمي يوفر فرصة كبيرة لمختلف شعوب العالم، واتجاهاته لعكس ثقافاتهم وموروثاتهم الحقيقية للعالم، وتجسير العلاقة بين الشعوب مباشرة، كما أن هذه الرياضة أصبحت صناعة تضخ فيها مبالغ ضخمة، وتستثمر فيها شركات عالمية عملاقة، وكرة القدم بشكل خاص تعاظمت أهميتها، وتحولت من «هامش الحياة إلى مركزها»، لذلك فإن الكثير من الدول تهتم بأمر تطوير مستواها في هذه الرياضة الشعبية، فتضع الأهداف وترسم الخطط لبلوغها، وقد شهد مونديال قطر الكثير من المفاجآت التي تؤكد أن خارطة هذه الرياضة تغيرت بالفعل، ما يؤكد أن خطط التطوير تلك تؤتي ثمارها.
وبعد الانتصارات غير المسبوقة التي حققها المنتخب المغربي، والتي وضعتهم كأول منتخب إفريقي وعربي ضمن أحد أفضل أربعة فرق على مستوى العالم، عمدت كما هو الحال ربما مع الكثيرين من المهتمين بالشأن الرياضي، إلى البحث عن سر هذا الظهور التاريخي للمنتخب الملقب بأسود الأطلس، واتضح لي أن الكرة المغربية عانت في أواسط العقد الماضي من تراجع كبير في المستوى وابتعدت في البطولات المهمة حتى عن الأدوار المتقدمة، ناهيك عن منصات التتويج، وفي العام «2016» أعلنت الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم «اتحاد الكرة» عن مشروع إستراتيجية عشرية لتطوير كرة القدم في البلاد، وقد خضع المشروع لمشاورات واسعة، وارتكز على عدة محاور لكن أهمها في تقديري الشخصي، هو مراجعة بنية المؤسسات المكلفة بإدارة كرة القدم، وإعادة هيكلة الأندية على المستوى المالي والإداري والتنظيمي، كما ركز المشروع وعمل على ضمان الانسجام بين الإستراتيجية الوطنية والرؤية المعتمدة على مستوى الاتحادات الفرعية والأندية، وما لفت انتباهي أن هذه الإستراتيجية عرضت على كل من يمكن أن يضيف شيئاً في تشخيص العلل والمشكلات وفي وضع الحلول، وقد شارك فيها الأندية واللاعبون السابقون، والإعلاميون الرياضيون، وحتى المشجعون، وها هي المغرب الشقيقة ونحن كذلك كمحبين نحصد ثمار تلك الإستراتيجية الواقعية والموضوعية، التي أكدت أنه لا مستحيل في عالم كرة القدم.
فماذا عن مشاركة منتخبنا في هذه المحفل الرياضي العالمي؟ في منظوري الشخصي كانت مقبولة، لكن وضح جلياً أن مستوى كرة القدم السعودية لم يتحسن وقد كشف الاحتكاك مع المنتخبات الكبيرة عن عيوب كثيرة ومؤثرة، وما يؤكد أننا بحاجة إلى وقفة مع النفس، وإلى دراسة واقعنا الكروي بعمق وتشخيص عللها بدقة، ووضع خطط وإستراتيجيات قصيرة ومتوسطة وطويلة المدى، تعيد مراجعة كافة المؤسسات الرياضية، ابتداءً من اتحاد كرة القدم والأندية والمنافسات الرياضية، وزيادة معارف تكوين اللاعبين من أكاديميات كرة القدم، وفرق الناشئين والبراعم، وتقييم الموجودة منها، وخلق الانسجام وتوحيد رؤية كل الفاعلين في المجال، وغيرها من الحلول التي من الممكن أن تضعنا في الطريق الصحيح، وخصوصاً أن كرة القدم في المملكة تجد دعماً مادياً ومعنوياً مفتوحاً من القيادة - أيَّدها الله- كما تحظى بشعبية كبيرة، ويمكن أن نوظِّف الخطط القصيرة لتلافي بعض العيوب التي أظهرتها مشاركتنا في مونديال قطر، والتي من أبرزها أن عقلية بعض اللاعبين تشوبها بعض السلوكيات الأقرب للهواية من الاحتراف، في الكثير من المواقف والجزئيات، كاللعب الفردي المطلق والبحث عن مجد شخصي، وعدم إجادة المحافظة على الكرة، واستردادها بسرعة عند فقدانها والتفكير السريع واتخاذ القرارات المناسبة، إضافة إلى إشكالات في المنظومة الدفاعية، والخروج الآمن بالكرة من أمام المرمى بلا أخطاء، وغيرها من مواضع الخلل التي إن عالجناها كلها أو معظمها يمكننا أن نحقق نتائج أفضل في المستقبل القريب، على أن نوظّف الخطط متوسطة وطويلة المدى للمعالجات الجذرية، التي -بإذن الله - ستضع المملكة في موضع المنافسة على لقب كأس العالم. وقد يعتبر البعض ذلك ضرباً من الإبحار الموغل في الأحلام، لكن الحقيقة هي أننا في المملكة لا ينقصنا شيء، فنحن نملك كافة مقومات النجاح في هذا المجال، فاللاعب السعودي من أمهر اللاعبين، ولدينا بنية تحتية ضخمة، وجمهور محب لهذه الرياضة، وفوق كل ذلك قيادة لديها إرادة سياسية قوية لتطوير هذه الرياضة، ولا شيء ينقصنا، في حين أن معظم الدول التي تتقدمنا لا تملك ربع مع ما يتوفر لنا.
ختاماً كثيراً ما أكرر مقولة الكاتب والشاعر الأميركي البارز رالف والدو إميرسون «العالم بأسره يفسح الطريق للشخص الذي يعرف وجهته»، نحن السعوديين همتنا كجبل طويق، فإن حددنا هدفنا ووضعنا خططنا وسرنا على هداها لن يستطيع أحد إعاقة طريقنا ولن نقف إلا والكأس بين أيدينا.
** **
- المدير التنفيذي للشؤون الإعلامية بمجموعة الدكتور سليمان الحبيب الطبية