طلال أبو غزالة
شهد هذا العام انعقاد القمة السابعة والعشرين للمناخ في شرم الشيخ، تلك القمة التي صادقت بعد أسبوعين من المفاوضات المكثفة على قرار تاريخي يلزم تعويض الدول الفقيرة عن الأضرار الناجمة عن تغيّر المناخ، من خلال صندوق «الخسائر والأضرار» الجديد. وقد لاقت هذه القرارات الترحيب باعتبارها «خطوة أولى نحو تحقيق العدالة المناخية». ويعتبر ذلك أمرًا مهمًا بالنسبة للبلدان الأكثر فقرًا التي تتضرر بشدة من الكوارث المناخية بينما لا تملك الموارد الكافية لإعادة بناء دولها، وبينما يتعرض وجودها للتهديد بسبب مواجهتها لأسوأ تداعيات الاحتباس الحراري.
لقد تحدثت عن المحاسبة البيئية منذ فترة طويلة، في أواخر الثمانينيات، عندما قدت تقريرًا مفصلاً مع خبراء دوليين حول المحاسبة وإعداد التقارير المالية للتكاليف والمسؤوليات البيئية.
تم إعداد التقرير تحت إشراف المجمع الدولي العربي للمحاسبين القانونيين (ASCA) الذي تأسس عام 1984، والذي ترأسته، وذلك بالتشاور مع الأمم المتحدة والمعايير المحاسبية الدولية (UNISAR)، والتي كنت أترأسها أيضًا، وفقًا لتوجيهات الأمين العام للأمم المتحدة ذلك الوقت السيد كوفي عنان.
في رأيي، يجب أن يكون صندوق «الخسائر والأضرار» الجديد مدفوعًا بسياسات محاسبية قوية على النحو المنصوص عليه في تقرير الأمم المتحدة الذي قدمته في العام 1999، وتمت صياغته مع فريق عالمي من جمعيات المحاسبة الرئيسية تحت قيادتي.
لقد مر 30 عامًا على تلك المحادثات ومن الجيد أن نرى بعض التقدم بعد أن تم تهميشها منذ تسعينيات القرن الماضي. وسيعتمد الصندوق على مساهمات الدول المتقدمة الغنية ومصادر التمويل العامة والخاصة الأخرى. ومع ذلك، هناك تفاصيل رئيسية لم تحدد بعد، مثل من سيدفع للصندوق، فضلاً عن عدم وجود اتفاق واضح بشأن ما يجب اعتباره «خسائر وأضراراً».
وبينما يعتبر ذلك مكسبًا للدول الأكثر فقرًا والتي كانت تطلب المساعدة منذ سنوات عديدة، فمن الواضح أنه يحتاج إلى تطبيق بطريقة مناسبة بحيث يتم جمع الأموال بشكل عادل ويتم تخصيصها لما هو مطلوب. ولكن لا ينبغي النظر إلى هذه المساعدات على أنها «شيك على بياض» أو دعوة للدول الفقيرة لرفع أيديها وعدم القيام بشيء من جانبها لتقليل الانبعاثات المتزايدة.
وما كان مخيبًا للآمال هذا العام هو أن المحادثات لم تذهب أبعد من ذلك لأن الصفقة النهائية لم تتضمن الالتزام بالحد من استخدام الوقود الأحفوري. وكانت صيغتها ضعيفة لإرضاء ضغوط العديد من البلدان. كما أن هناك غموضاً حول إمكانية استخدام الطاقة المنخفضة الانبعاث التي يمكن أن تسمح باستخدام بعض أنواع الوقود الأحفوري مثل الغاز كجزء من مستقبل أخضر.
ولم يتضمن النص التخلص التدريجي من جميع أنواع الوقود الأحفوري الذي كان من شأنه أن يساعد بشكل كبير في تحقيق هدف الحفاظ على ارتفاع درجة الحرارة العالمية عند 1.5 درجة مئوية. وأصبح السعي لتحقيق هذا الهدف يمثِّل الفرق الرئيسي بين موقف الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ودول أخرى أكثر ثراءً وموقف الصين التي لا تبدي اهتمامًا بذلك.
يستمر الملوثون في القيام بتجاوزات ضد المناخ، لذلك يجب تطوير عمليات المحاسبة لتعزيز الكشف عن هذه التجاوزات، وهو أمر ضروري للإدارة الفعالة لانبعاثات الكربون.
ويشمل قياس التداعيات البيئية في بلد ما التكاليف المرتبطة بالأضرار البيئية وعمليات التنظيف والممتلكات والتخلص من النفايات والغرامات والعقوبات والمسؤوليات البيئية الأخرى.
هناك حاجة إلى إدارة قوية ووجود قطاع عريض من الخبراء لضمان توزيع الأموال بشكل عادل واستخدامها للأغراض الصحيحة، بالإضافة إلى إطار للتكاليف يسمح للمعنيين بالسعي إلى الحصول على تعويض عادل عن الأضرار التي يمكن أن يثبتوا أنها وقعت على دولهم.
هذا العام، استقطبت القمة 45 ألف مشارك لتبادل الأفكار والحلول وبناء الشراكات والائتلافات، وضمت العديد من الممثلين من صناعة النفط والغاز، بالإضافة إلى العديد من الشباب المهتمين بسلامة الكوكب. ويعد هذا أمرًا مهمًا، حيث إن هناك حاجة إلى عمل مستدام في المستقبل لخفض الانبعاثات.