فضل بن سعد البوعينين
أثبتت متغيرات السوق النفطية العالمية صحة توقعات منظمة أوبك، وقراءتها الدقيقة للمشهد الاقتصادي العالمي وانعكاساته المتوقعة على الطلب، ما برر تحركها السريع في أكتوبر الماضي لاتخاذ قرارا خفض الإنتاج بواقع مليوني برميل يومياً، أي ما يعادل 2 في المائة تقريباً من الطلب العالمي، بغية الحد من الفوائض النفطية المتوقعة.
برغم الاتهامات التي وجِّهَت لتحالف أوبك +، ومحاولة تسييس قراراته، وشيطنته، إلا إنَّ التحالف سعى جاهدا لضمان استقرار سوق النفط وتجنيبها الأزمات المتوقعة، وتكريس دوره المهم في مواجهة المتغيرات الطارئة في الأسواق النفطية، وهو دور فاعل يمكن ملاحظته في حالتي شح المعروض النفطي أو زيادته. فهدف أوبك الرئيس هو تحقيق توازن السوق النفطية.
لا يقتصر دور أوبك على حماية مصالح المنتجين فحسب، بل والمستهلكين أيضا، ما يجعله أكثر فاعلية في تعزيز النمو العالمي والتنمية، وتدفق الإستثمارات الضامنة لأمن الطاقة وإستدامتها.
يتطلب التعامل الإستراتيجي مع متغيرات الأسواق العالمية تدخل أوبك وحلفائها السريع وبقرارات إستباقية، قد يشكك البعض في دوافعها تحت تأثير تقارير منظمات دولية متخصصة تعنى بشؤون الاقتصاد والطاقة، أو دراسات السوق النظرية، أو متغيرات الأسعار الطارئة، إلا أن واقع الأيام يثبت دائما دقة القرارات المتخذة ومنهجيتها ونجاعتها.
اتخاذ أوبك + قرارها السابق بخفض الإنتاج بمعدل مليوني برميل يوميا في شهر أكتوبر الماضي، جعلها هدفا للانتقادات الغربية واتهامها بتسييس النفط، وانحيازها لروسيا. وكالعادة، حظيت المملكة بالنصيب الأوفر من ذلك الهجوم الغربي الممنهج، بالرغم من أن قرار الخفض اتخذ وفق رؤية اقتصادية صرفة، وبإجماع الدول الأعضاء.
برغم الانتقادات الحادة لقرار أوبك +، أثبتت الأيام نجاعته وتوافقه مع متطلبات المتغيرات الاقتصادية العالمية، وحجم الطلب على النفط. تراخي الأسعار خلال شهر ديسمبر الحالي إلى ما دون 80 دولاراً لم يدفع أوبك + في اجتماعها الأسبوع الماضي لتبني قرار آخر بخفض الإنتاج، بل أبقت على سياستها الإنتاجية السابقة دون تغيير مع تأكيدها على «عقد اجتماع وزاري في أي وقت، للتعامل مع أي تطورات في السوق متى تطلب الأمر».
ضمان استقرار الأسواق يحتاج للتحرك الاستباقي المبني على قراءة دقيقة لمستقبل السوق النفطية وفق المتغيرات الاقتصادية. قد تحفز ضبابية الرؤية المستقبلية اتخاذ قرارات متحفظة لمواجهة المخاطر، إلا أن ديناميكية أوبك + تجعلها أكثر قدرة على مراجعة قراراتها متى تطلب الأمر ذلك، وهو ما بدا واضحا في بيانها الأخير.
وصية سمو وزير الطاقة الأمير عبدالعزيز بن سلمان بـ «اليقظة والحذر» باتت منهاجا لأوبك + وهو ما تم تأكيده في تقريرها الشهري. فالمملكة وحلفاؤها في أوبك + معنيون بالتحرك السريع لمواجهة المتغيرات المؤثرة على الأسواق، حماية لمصالحهم، وللاقتصاد العالمي.
حركة أسعار النفط الأخيرة تشير إلى أهمية مراقبة الاقتصاد العالمي والأسواق وتحقيق التوازن في السوق النفطية، وأهمية النظرة الإستراتيجية والقراءة الدقيقة للاقتصاد وحجم الطلب العالمي، والتحديات المؤثرة عليها. نمو معدلات التضخم، والسياسات النقدية المتشددة، وسياسة «صفر كوفيد في الصين» من التحديات المؤثرة على نمو الاقتصاد العالمي، وبالتالي الطلب على النفط، وهو ما حمل أوبك + على اتخاذ قرارات مهمة لموازنة السوق.
اليوم، وبعد أن أثبتت توقعات منظمة «أوبك» لسوق النفط أنها أكثر دقة من توقعات «وكالة الطاقة الدولية»، وأن تحالف أوبك + أكثر نزاهة من أن يبني قراراته على توجهات سياسية وقتية مُضرة بأسواق النفط والمنتجين والمستهلكين، فمن حق التحالف والعالم أن يتساءل عن المتهم الحقيقي بتسييس النفط؟!.
لا يخلو عمل غالبية المنظمات الدولية، بما فيها «وكالة الطاقة الدولية» من التوجيه المتعمد، وصياغة التقارير وفق توجهات محددة، حيث تلعب أميركا وبعض دول الغرب دورا محوريا في توجيه تلك التقارير وتسييسها، وإن جاءت برؤية اقتصادية جميلة. الأمر ينطبق على إدارة أسواق النفط، ودور المؤسسات المالية والمستثمرين في توجيهها من خلال المضاربات المستقبلية، إضافة إلى بيانات المخزون الأميركي، وآلية إدارته، التي قد تستغل لتوجيه الأسعار وبما يضر بدول أوبك + ومصالحها. التركيز على مصالح المستهلكين بمعزل عن المنتجين أمر غير مقبول، ويمكن أن يتسبب في أزمات مستقبلية ويهدد أمن الطاقة العالمي ما يستوجب إعادة النظر في السياسات الغربية العدائية ضد النفط وتحالف دول أوبك +، والتوقف عن كيل الاتهامات لها ومحاولة تحميلها أزمات الاقتصاد العالمي التي كان الغرب وما زال من أسبابها الرئيسة.