د.عبدالحفيظ عبدالرحيم محبوب
القمم التي عقدت في السعودية خطفت أنظار العالم التي تنبئ قيام السعودية بثورة لزيادة النفوذين الصيني والسعودي عالميا مقابل تقلص نفوذ الهيمنة الأمريكية الأوحادي، الذي يعد امرا تاريخيا، لأنه يشارك في رسم السياسات الدولية الذي يدعم أمن واستقرار الأمن العالمي واحترام حقوق الإنسان بعيدا عن توظيفها السياسي، باعتبار أن التعاون بين السعودية والصين قائم على أسس جديدة باعتبارهما دولتين فاعلتين في العالم، خصوصا بعدما أصبحت الصين على توافق مع العرب في كل الأمور السياسية والاستراتيجية، بعدما وضعت السعودية العرب على طاولة واحدة لتأسيس عالم أكثر واقعية، بعدما ضمنت الصين اعتراف العرب بالصين الواحدة، ولن يدعمون تايوان بعد اليوم بعيدا عن الصين، كما تدعم الولايات المتحدة وبريطانيا تايوان ومدها ببعض الأسلحة، مقابل نشر الأمن في المنطقة بعد القضاء على مليشيات إيران الإرهابية، ما يعني انقلاب الصين على إيران، باعتبار أن العرب أهم من إيران، وأتى هذا في تصريح سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان أن هناك اتفاقا مع الصين على ضرورة مواجهة التحديات المشتركة التي تواجه الإنسانية التي لابد من خروج المليشيات من المنطقة.
وكما اعترف العرب بالصين الواحدة، فالصين تعترف بالخليج العربي للعرب، وستواصل الصين انقلابها الكامل على إيران بعدما كانت الصين تعتقد أن الموانئ الإيرانية جزءا من الحزام الطريق بشرط أن توقع إيران مع دول 5+1 الاتفاق النووي الذي انسحب منه ترمب بشكل آحادي عام 2018، لكن الضغط السعودي جعل هذا الاتفاق من الماضي، وعلى العكس لم تكن روسيا تود تحقق هذا الاتفاق لأن الافراج عن الغاز الإيراني يهدد الغاز الروسي.
ما جعل إيران تعيد حساب أولوياتها وترفض ضخ استثمارات في بلد في أزمة مع الغرب، بل إن الصين كما في كلمة الرئيس الصيني أن السعودية استطاعت مواجهة التحديات العالمية يقصد أن السعودية لم تعد ترضخ للإملاءات الأمريكية بضخ مزيد من النفط في الأسواق لضرب التحالف السعودي الروسي من جانب، ورفض المشاركة في أي عقوبات ضد روسيا أو المشاركة بوقف النفوذ الصيني كما تم في لقاء بايدن مع ماكرون في واشنطن في مواجهة النفوذ الصيني في أوروبا خصوصا فيما يخص الاستثمارات في التكنولوجيا التي تدخل في العقوبات التي وضعتها الولايات المتحدة على الشركات الصينية خصوصا فيما يخص الرقائق الإلكترونية والجيل الخامس والسادس المتركزة على منع هواوي الصينية باعتبارها تهدد الأمن القومي الأمريكي الغربي.
تحدثت وسائل الإعلام الغربية عن القمم الثلاثة مع الصين، وصفته بليلية سقوط أمريكا، حيث انتزعت الصين مواقف من السعودية حول التعامل باليوان لتجارة النفط والغاز بالعملات المحلية المتداولة في بورصة شنغهاي، كما أكد سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان أن السعودية تعزيز التعاون الدولي لمواجهة التحديات ودعم العمل الدولي متعدد الأطراف، كذلك انتزعت السعودية من الصين ان مصالحها مع العرب وليس مع إيران التي تساهم في زعزعة أمن المنطقة، فهناك اتفاق مشترك على تعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة ودعم الحلول السياسية والحوار لحل النزاعات.
فهناك اتفاق مشترك لضمان سلمية برنامج إيران النووي ودعوة طهران للتعاون مع الوكالة، حيث اعتبرت قمة استثنائية تاريخية بسبب أن التعامل بين الصين والعرب على أساس المساواة لا يمكن لأحد فرض معتقداته وتقبل الاختلافات بين الجانبين، وليس لدى الصين تحفظات في تقديم أفضل التكنولوجيا بخلاف الدول الغربية، مع دعم حقوق الشعب الفلسطيني، وهذا لا يعني الشراكة مع الصين تلغي الأطراف الأخرى، وكما أكد ذلك سمو ولي العهد في خطابه أن الشراكة مع الصين لا تلغي أي شراكة أخرى، لكنها استراتيجية سعودية ذكية في عدم ترك الأمر لحليف واحد وهي أمريكا، وأيضا هي مناورة للاستفادة من كل الحلفاء.
تعتبر زيارة الرئيس الصيني للسعودية تصب في إعادة التموضع على الساحة الدولية، والدعوة لعالم متعدد الأطراف، فأحد أبرز ملامح السياسة الخارجية السعودية الشراكات المتعددة والحرص على سلامة الجسم العربي، رغم أنها قادرة على توقيع اتفاقيات منفردة، لكن المرحلة تقتضي الإصلاح والطموح الذي تحمله السعودية منذ انهيار المنطقة العربية بعد ضربات الثورة العربية التي انهار على إثرها عدد كبير من الدول العربية استثمرت هذه الثورات نظام الملالي وتنظيم الإخوان لكن السعودية سارعت إلى حماية الأمن في البحرين وتقديم كل أنواع الدعم لجمهورية مصر ولبقية الدول العربية.
لذلك كان الحضور العربي دلالة على تماسك الجسم العربي والجسم الخليجي أكثر من أي وقت مضى بعدما كان العالم العربي يعتمد على الفردية والتناحر، لكن اليوم يثبت القادة العرب أن هناك تماسكا في حده الأدنى نتيجة تفهم المخاطر، التي قبلها الشريك الجديد الصين الانغماس فيها، خصوصا وأن السعودية لا تفرض سياساتها على أي دولة بالقوة كما كان في عهد جمال عبد الناصر، فوجود الصين شريك آخر للمنطقة شريك مرجح وهو أيضا معطا مهما للصين، لأنه بناء على هذا التوازن تحدث حالة تبادلية بين الجانبين.