د.عبدالله بن موسى الطاير
إذا كانت لديك قوة اتصالية مؤثرة، ولديك القدرة على التحكم في اتجاه تدفق المعلومات، فإنك تستطيع فرض روايتك للأحداث وإن كانت كاذبة. استقراء التاريخ واستعراض الأحداث ينقلان لنا كمّاً من الأسئلة التي بقيت عقوداً من الزمن تبحث عن أجوبة؛ أستطيع ذكر اغتيال الرئيس الأمريكي جون كنيدي عام 1963م، وحادثة لوكربي عام 1988م، وأحداث 11 سبتمبر 2001م، وغزو العراق 2003م. كل هذه الأحداث فيها رواية رسمية مهيمنة فرضتها شبكات الإعلام الغربية الضخمة، فكانت أية رواية مخالفة هي ضرب من ضروب المؤامرة.
المعلومات والحقائق التي تم توثيقها في كتابي وجيمس موور «حرق الشيطان» عن أحداث سبتمبر 2001م حول علاقة الحرس الثوري بتلك الأحداث سواء شهادة الخبراء الذين شاركوا في لجان الكونجرس، أو عملاء المخابرات الإيرانيين المنشقين أو الأحكام القضائية القطعية التي صدرت من المحاكم الفيدرالية الأمريكية يتم إغفالها لصالح رواية مفروضة يحال كل ما يتعارض معها على نظرية المؤامرة.
صحيح أن معمر القذافي له ثارات مع أمريكا، ليُحمّل مباشرة وزر تفجير طائرة بان أمريكا فوق قرية لوكربي عام 1988م. لقد أقلعت تلك الطائرة المنكوبة من لندن عند السادسة والنصف من مساء 21 ديسمبر 1988 متجهة إلى نيويورك التي لم تصلها، حيث تم تفجيرها فوق قرية لوكربي الأسكتلندية في تمام الساعة السابعة وثلاث دقائق من المساء ذاته. عثر المحققون على ما تبقى فيها؛ ملابس ابتيعت من مالطا ومسجل راديو توشيبا كانت بداخله عبوة وزنها 450 غراماً من مواد شديدة الانفجار ومؤقت زمني. ذهب ضحية تلك الحادثة حوالي 270 شخصاً على متن الطائرة وعلى الأرض. لم يكن القذافي الوحيد الذي يطلب أمريكا الثأر، ففي حادثة مماثلة أسقطت البحرية الأمريكية قبل خمسة أشهر من تفجير لوكربي، طائرة الخطوط الجوية الإيرانية الرحلة 655 في مياه الخليج العربي، مما أدى إلى مقتل جميع من كانوا على متنها وعددهم 290 شخصاً. التماثل بين الحادثين طائرة بطائرة، وعدد الضحايا في كل طائرة، وخمسة أشهر فاصلة تجعل إيران الأقرب للانتقام، لكن إدارة الرئيس جورج بوش الأب كانت تدير عملية تفاوض مع إيران للإفراج عن رهائن أمريكيين وغربيين في لبنان من ضمنهم البريطاني تيري وايت، ولذلك كانت صفقة مناسبة، بحيث تقتص إيران لطائرتها، وتكون الصفقة بإبعادها عن الاتهام، والانتقال للمشتبه به الثاني في قائمة طلبة الثأر وهو معمر القذافي.
نقل برنامج بثته قناة الجزيرة الناطقة بالإنجليزية عام 2012م عن مسؤول استخباراتي إيراني كبير سابق اسمه أبو القاسم مصباحي قوله: قررت إيران الرد بأسرع وقت ممكن على إسقاط طائرتها الإيرباص في مياه الخليج، واتخذ النظام الإيراني القرار بمباركة آية الله الخميني، و»تعهدت طهران بأن تمطر السماء بالدماء انتقاماً». وبحسب السيد مصباحي، «كان هدف صانعي القرار الإيرانيين تقليد ما حدث بالضبط لطائرة إيرباص الإيرانية؛ كل شيء متشابه تماماً، 290 شخصاً على الأقل قتلى». وقالت تلك القناة الإخبارية إنها «اطلعت على برقيات وكالة استخبارات الدفاع الأمريكية التي أفادت بأن زعيم الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين - القيادة العامة، أحمد جبريل، قد تلقى أموالاً للتخطيط للتفجير». ونقلت عن برقية «سرية» ما نصه: «لقد تم تقديم المال لجبريل مقدماً في دمشق كنفقات أولية، وكانت المهمة تفجير طائرة تابعة لشركة بان أمريكان».
وفي شهادة لعميل سابق في وكالة المخابرات المركزية الأمريكية يدعى روبرت باير ورد ما نصه: «بعد ستة أيام من إسقاط طائرة إيرباص الإيرانية، كان هناك اجتماع في بيروت، نعرف مكان حدوثه؛ حيث ذهب الإيرانيون إلى الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين - القيادة العامة، الفصيل المنشق، وقالوا لهم، حسناً: أنتم تعرفون كيف تُسقط الطائرات، أسقطوا خمس طائرات مدنية». ومع ذلك لم ينظر أحد في علاقة محتملة للحرس الثوري بتلك الحادثة، ولم يعاقب عليها الفاعل الحقيقي، كما لم يعاقب أحد على مصرع نحو 300 من جنود المارينز في بيروت بتفجير ضخم أعلن من خلاه حزب الله عن ولادته عام 1983م.
ولأن جوبلز قد قال يوماً: «اكذب اكذب حتى يصدقك الآخرون»، وربما تُصدّق كذبتك، فقد أعلنت الولايات المتحدة عن اعتقال مواطن ليبي يقال إنه صانع تلك القنبلة التي وضعت على متن طائرة بان أمريكا، وليت التحقيق يكون شفافاً ومعلناً وثبت أنه صانع القنبلة لنبرئ المؤامرة ونؤكد اتهام القذافي.