صيغة الشمري
عنوان المقال قد يبدو مألوفاً لدى الكثير من القراء الكرام، فمن خاض تجربة «المقابلات الشخصية» لا بد أنه تعرض لوابل من الأسئلة التقليدية على شاكلة «أين ترى نفسك» و»ما هي نقاط قوتك وضعفك» و» تحدث عن نفسك», هذه الأسئلة «المعلبة»، التي أصبحت من مخلفات التطور في عالم الإدارة والموارد البشرية حول العالم، لكن للأسف بعض المؤسسات الخاصة والعامة لدينا لا تزال تحافظ على النمط البائد من مقابلات العمل، الأمر لا يتعلق بنوعية الأسئلة بقدر ما يتعلق بعقلية الإدارة واستقطاب الكفاءات لدى هذه المؤسسات، إذ تكفي المقارنة بين مقابلات عمل لدى شركات أجنبية وأخرى محلية لترى الفارق الشاسع بينها في العقلية وفي القيمة والتطور والنتائج.
فبعض مؤسساتنا - حتى لا أقع في إثم التعميم - تتعامل مع مقابلة المرشحين للوظائف على أنها جزء من هيبة وصورة الشركة، فإن وصل المرشح مبكراً أو في موعده لا يتم استدعاؤه للمقابلة مباشرة، بل يجب أن يسبقها طقوس من الانتظار لإشعاره بأهمية المؤسسة، وحين يدخل تنهال عليه الأسئلة التعجيزية أو ذات الإجابات النموذجية، أو الأسئلة التي تقع في خانة كشف المستور مثل الخوض في تفاصيل عائلية وشخصية بحتة، المضحك المبكي، حين يستدعى أحدهم للمقابلة ليكتشف أن من يقابله لم يطلع على سيرته الذاتية، ولا يعلم شيئاً عن خبراته ومهاراته ولم يجر بحثاً بسيطاً عن المرشح، ناهيك على نمط آخر من المقابلات ويمكن وصفه بالمقابلات الاستخباراتية التي يشعر معها المرشح بأنه في تحقيق أو مرشح للعمل لدى السي آي إيه, ويكون إعلان الوظيفة الشاغرة غامضاً فلا متطلبات الوظيفة أو مهام العمل معلنة وكأنها وظيفة سرية وحساسة, وحتى راتب الوظيفة يشعر المرشح أحياناً وكأنه في «بازار» أو سوق شعبي إذ تبدأ عمليات المساومة للوصول إلى أدنى راتب ممكن حتى وإن كان سقف راتب الوظيفة الشاغرة أعلى بكثير.
وحين تنتهي المقابلة الماراثونية ولا يحوز المرشح على رضا لجنة المقابلة، «يُنسى المرشح وكأنه لم يكن، فلا تكلف المؤسسة نفسها عناء إبلاغ المرشح بعدم قبوله، عكس المؤسسات والشركات الأجنبية التي تبلغ المرشح عدم قبوله مع توضيح الأسباب كي يدرك المرشح نقاط ضعفه أو المتطلبات التي حالت دون مواءمته للوظيفة المطلوبة ويعمل على تحسينها وتطوير مهاراته.
لماذا نعقد الأمور, لماذا لا تتحلى تلك الجهات بقدر أعلى من الاحترافية والجودة في استقطاب وتعيين الكفاءات التي تتناسب والوظائف الشاغرة؟ لماذا تتذاكى الشركات على المرشحين وتختلق صورة لا تشبه حقيقتها؟ لماذا لا تخضع مقابلات العمل لرقابة من جهة مستقلة لتضمن سلامة وكفاءة إجراءات المقابلات وكفاءة مسؤولي التوظيف في الموارد البشرية بما يخدم تطور المؤسسات والشركات لتواكب تطور الاقتصاد الوطني؟
أسئلة أطرحها بحرقة شديدة، فما تشهده بلادنا من قفزات نوعية على مختلف الأصعدة تفسدها بعض الممارسات الإدارية التي تسير عكس تيار المشروع التنموي الذي تقوده القيادة بحكمة واقتدار.