د. إبراهيم بن جلال فضلون
مُنذ عهد الملك الراحل عبدالله بن عبدالعزيز بدت إنجازات السياسة الخارجية للمملكة؛ حينما أطلق شرارة الوحدة الخليجية، وأعاد ترتيب البيت الخليجي، ليُكللها بالنجاح عهد الملك سلمان -حفظه الله- مُتولياً زمام الأمور في ظروف إقليمية استثنائية، وتغيرات جيوسياسية هامة، ليكون لرؤية ولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان -أيده الله - الكلمة والمفتاح لتثبيت دعائمها المُعاصرة في مرحلة جديدة يُؤمل أن يتحقَّق فيها استقرار المنطقة الخليجية والشرق الأوسط، لا سيما في دول الجوار (اليمن جنوباًَ، العراق وسوريا شمالاً، ولبنان المدمرة وبلا رئيس حالياً، ومفاوضات الجار الشرقي «إيران» مع مجموعة 5+1 بخصوص ملفه النووي)، ومد الأيادي الدولية إليها للتوقف عن إرهاب المنطقة بميليشياتها ومسيراتها التي لم يسلم منها الأبرياء وحقول النفط هنا وهناك، ليتجه الفكر السعودي إلى حالة الردع الأمني والدفاعي في سياستها الخارجية، بعهد ملك الحزم والعزم سلمان بن عبدالعزيز، وضرورة ذوبان جليد العلاقات بين المملكة والولايات المتحدة، والعمل على التوازنات الدولية في سوق النفط المُزلزل حالياً رغم انخفاض الأسعار، بسياسة الاعتدال والتوازن والحكمة وبُعد النظر بما يُعَزِّز من حضورها الدولي، عبر المبادرات والقمم العالمية التي تستضيفها بهدف دعم السلام والأمن الدوليين، وزيادة تأثير المملكة في الملفات الدولية وتأثيرها في القرار، لاسيما بفكر جديد لولي العهد الذي يحمل عقلين: رؤيته وحنكة أبيه في آنٍ واحد..
وهو ما أثار مخاوف أميركا، التي تنتهج سياساتها العدوانية بلا مبرر وتتصادم أحياناً مع رغبة الدول الخليجية والعربية في تنويع اقتصاداتها واستثماراتها، خاصة بعدما عاد «بايدن العجوز» من (قمة جدة) بخُفي حُنين ولا نفط، بل وبعد زيارة الرئيس الصيني «شي جينبينغ» حالياً بقمم ثلاث (سعودية -خليجية -عربية) مما يعكس تقارباً أوسع بين حلفاء الولايات المتحدة القدامى مع بكين عبر ثلاث قمم إقليمية، يُتوقع منها المليارات من اتفاقيات تشمل الطاقة والأمن والاستثمارات وإنشاء صناعات جديدة، وخدمات لوجيستية، وبنى تحتية ومشاريع عملاقة كمدينة نيوم التي تبلغ كلفتها 500 مليار دولار، لتتوج العلاقات في أول زيارة للرئيس الصيني للمملكة بأكثر من30اتفاقية في قطاع الأعمال بين السعودية والصين. بل ووصل إجمالي الاستثمارات الصينية ومشاريع البناء في السعودية 43.47 مليار دولار أميركي، و36.16 مليار في الإمارات، و30.05 مليار في العراق، و11.75 مليار في الكويت، و7.8 مليار في قطر، و6.62 مليار في عمان، و1.42 مليار دولار في البحرين.
ولكي تضع الصين قدمها بالمنطقة، قدمت 23 مليار دولار في شكل قروض ومساعدات للشرق الأوسط من خلال منتدى التعاون العربي الصيني، ووقعت اتفاقيات لمبادرة الحزام والطريق مع 17 دولة عربية، لتستمر العلاقة بتعمق يوماً بعد يوم حيثُ قفزت معدلات التجارة بين الصين والسعودية كشريك تجاري أول للأولى، حيث تجاوزت عام 2020 أكثر من 65 مليار دولار، بمعدل زيادة سنوي 15 %، أي ما يُماثل أكثر من ضعفي التجارة السعودية مع أميركا التي بلغت نحو 20 مليار دولار في نفس العام.. وزادت تجارة الصين مع الدول العربية بحوالي 330 مليار دولار 2021 بمعدل نمو سنوي وصل 37 %، وهو رقم أقل من ربع حجم تجارة الصين مع أميركا وأوروبا مُجتمعين، والتي وصلت تجارة بكين لأوروبا 709 مليارات دولار عام 2020، وأميركا 615 مليار دولار، ومع ذلك يخافون من علاقة الصين بالعرب.
وأخيراً: إن الصين رغم كونها دولة كبيرة، إلا أنها تنتهج دبلوماسية فريدة وهى «شراكة القوة» أو «صداقة الشراكة»، التي تتجاهلها الولايات المتحدة وأوروبا مع توافقات ورغبات الدول العربية لبناء مجتمع مُتعدد الأقطاب، وهذا ما ستؤكده قمم الرياض الثلاث في سياق نهج عربي راسخ وثابت فكر وعقل واحد.