رقية سليمان الهويريني
يعد ابن حزم الأندلسي الفقيه الظاهري من أكثر الشخصيات الجدلية في تاريخ الإسلام، حيث كانت له منهجية فقهية فريدة كما كانت علاقته متوترة وتصادمية بالمجتمع في الأندلس. وكان رحمه الله قمة في المفارقات من حيث شخصيته المتأرجحة بين الرومانسية والخشونة.
كانت أفكار ابن حزم تستفز المجتمع وبالذات فيما يتعلق باحترامه لمكانة النساء العلمية، كما ظهر في كتابه «الفصل في الأهواء والمِلل والنِّحل» حيث أجاز ولاية المرأة للقضاء، واستدل على ذلك بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الصحيح بأن «الزوجة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها» فليس حينئذ ما يمنع من أن تلي بعض الأمور ذات المسؤولية الأعلى.
ولم يقف تحرر فكر ابن حزم عند المرأة فحسب، بل تعداه للمناداة بحقوق العبيد والأرقاء، وظهر ذلك في كتابه «المُحلى» والذي رد فيه على الفقهاء الذين رفضوا الإقرار بحق العبد إن ظُلِمَ أو أُهين، بقوله: للإنسان حرمة عظيمة، ورُبَّ عبد جلف خير عند الله تعالى من خليفة قرشي.
يملك ابن حزم حساً مرهفاً ومشاعر رومانسية غاية في الرقة، وقد يعود ذلك للبيئة الثرية المترفة، التي تربى فيها بنشأته في قرطبة حاضرة الأندلس، فساعدت بصياغة رومانسيته المفرطة، ومشاعره الجياشة، التي تفجرت في كتابه «طوق الحمامة في الألفة والأُلَّاف» والذي يعتبره بعض النقاد الأدبيين أول وأهم الكتب التي شرحت أبعاد الحب الإنساني، ويحكي فيه الفقيه القرطبي قصص الحب العذري العفيف، التي وقعت معه، أو مع غيره من الشعراء والأدباء والأعيان.
وبرغم صدود معظم الفقهاء عن اتباع نهجه الظاهري واستهجانه من قبل المجامع الفقهية الإسلامية، إلا أنه قد تجاوز الزمن وبقي مؤثراً وفاعلاً في الثقافة الإسلامية، فاتبع نهجه ووافقه أبو حامد الغزالي في مسألة تصحيح إيمان المسلم المقلد، وكذلك ابن تيمية في الاعتقاد بحتمية الرجوع المباشر للنصوص المقدسة الواردة في القرآن الكريم والسنة النبوية، وساعد كتابُ ابنِ حزم «جمهرة أنساب العرب» ابن خلدون في صياغة نظرياته المهمة عن العصبيات الاجتماعية وعلم العمران والاجتماع البشري.
ألا نحتاج في عصرنا الحاضر لمنهج ابن حزم، الذي جمع بين الفقه الشرعي وبين اللِّين والإنسانية في تطبيق ذلك الفقه؟!