الرياض - خاص بـ«الجزيرة»:
الزواج من أعظم العقود المغلظة التي ينبغي مراعاة الصدق فيها، لأن أساس نجاح العلاقة الزوجية بين الخاطبين الوضوح والبيان والصراحة، وكتمان هذه الأمور يؤثر في العلاقة بين الزوجين ويوقع الضرر، ومطلق العقد يقتضي السلامة من العيوب، وديننا الإسلامي يحث على الصدق في شؤون الحياة كلها، وأن كل ما يعد نقصاً أو عيباً في عُرف الناس، يلزم بيانه والإخبار به، ويكون إخفاؤه من الغش والخداع.
وأمام تفشي المشكلات في بيت الزوجية وُجد أن إخفاء المعلومات الحقيقية عن العرسان واحد من الأسباب الرئيسة التي أدت إلى حدوث الانفصال والطلاق.
«الجزيرة» طرحت المشكلة على طاولة النقاش مع ذوي الاختصاص المهتمين في الشأن الاجتماعي والأسري، لمعرفة كيفية معالجة مثل هذه المشكلات التي تعيق سير الحياة الزوجية على الوجهة الصحيحة.
تحكيم شرع الله
يستهل الدكتور عبدالعزيز بن علي الرومي قاضي الاستئناف حديثه بقول الله تعالى: ?وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ? [الروم: آية 21]، والصلاة والسلام على النبي القائل: (خَيرُكم خَيرُكم لأهلِه، وأنا خَيرُكم لأهلي)، وقد جعل الله عز وجل في كيان كل جنس حبًا وميلاً للجنس الآخر، ومن ذلك جنس البشر الإنسان، فالرجل بحاجة إلى المرأة والمرأة بحاجة إلى الرجل، إن أحدهما لفي حاجة إلى الآخر حتى يشاركه حلو الحياة ومرها وسراها وضراها، وصدق الله عز وجل حينما قال: ?هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ? [البقرة: آية 187]) واللباس هو ألصق الأشياء بلابسه، وجعل الله عز وجل قانونًا يسير عليه الزوجان، نعم لابد أن يعلم كلٌ من الزوج والزوجة ما له وما عليه من حقوق وواجبات ?وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ? [البقرة: آية 228])، قوامة الرجل {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ} [النساء: آية 34].
ولابد من معرفة الحقوق والواجبات، ولابد من الصدق بين الزوجين وعدم الغموض أو التجاهل أو كتم الأخبار أو الوقائع، فالله عز وجل قال: ?يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ? [التوبة: آية 119]، وقال تعالى: {لَّعْنَةُ اللّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ} [آل عمران: آية61، ]، فالصدق بين الزوجين بل الصدق عمومًا هو المطلب وهو الهدف نعم، الصدق (وما يَزالُ الرَّجُلُ يَصْدُقُ ويَتَحَرَّى الصِّدْقَ حتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللهِ صِدِّيقًا)، فينبغي عليه أن يبين عندما يخطب ما به من عيوب وما به من إيجابية، كذلك المرأة تبين أو يبين وليها ما بها من سلبيات وإيجابيات وليكتب ذلك، مشيراً إلى أن من أكبر أسباب المشاكل الزوجية هو البعد عن تحكيم الشرع أو البعد عن دين الله أو عن شرع الله، ولذلك هناك أسباب وقائعية من الوقوع في هذه المشاكل، (تُنْكَحُ المَرْأَةُ لأرْبَعٍ: لِمالِها، ولِحَسَبِها، وجَمالِها، ولِدِينِها، فاظْفَرْ بذاتِ الدِّينِ، تَرِبَتْ يَداكَ)، والنبي صلى الله عليه وسلم قال: (الدُّنْيَا مَتَاعٌ، وَخَيْرُ مَتَاعِ الدُّنْيَا المَرْأَةُ الصَّالِحَةُ)، إذا نظرت إليها سرتك وإن غبت عنها حفظتك في مالك وأهلك وولدك، وكذلك بالنسبة للرجل تتحرى المرأة ويتحرى وليها الرجل صاحب الخلق والدين.
حب المظاهر
ويشدد الدكتور عبدالعزيز الرومي على أنه لابد في أي بيت من مشاكل ونزاع وشقاق، اختلاف وجهات النظر يحصل بين الابن وابيه بين الإخوة بين الأقارب بين الجيران، ولكن كل ما كان المسلم أقرب إلى الله كان حل المشكلة أسرع، وبيت النبوة لم يخلُ من المشاكل فقد هجر النبي صلى الله عليه وسلم نساءه شهرًا أو 29 يومًا ونزل فيها آيات ?إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا، وَإِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا? [الأحزاب: آية 28، 29]، اختارت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم الله ورسوله والدار الآخرة، فالنظر إلى الدين والشرع وبعدنا عن شرع الله للأسف الشديد وتقليدنا للغير المشهورين وغير المشهورين تقليدنا لأعداء الملة والدين هذه من أكبر أسباب المشاكل، أصبحنا ننظر إلى المظاهر والمرأة تطلب والرجل يطلب يريدون تلك المرأة امرأة فلان وعلان المشهورة والمرأة كذا، يعني سبحان الله يخدع وتخدع هذه المرأة في التالي يحصل الشقاق والنزاع والخلاف لابد، لكن إن كانت هناك أسباب جوهرية شرعية فإن الحل والعلاج هو بالتغيير التصحيح، إن لم يستطع فأخذ دواء الكي وهو الطلاق وهو حل أيضًا من الحلول، والطلاق يعتبر بعض الأحيان ناجحًا، فيه طلاق فاشل وطلاق ناجح لا يؤثر على الأولاد إن كان بينهما أولاد ولا يؤثر على الإخوة وعلى المحبة بين العائلتين؛ فالنفهم هذا الأمر فنحن إخوة متحابون بيننا نسب ورحم، ولكن إن حصل طلاق لسبب شرعي وإلا فإن أبغض الحلال عند الله الطلاق وهو آخر العلاجات.
أسأل الله جل وعلا أن يجعل حياتنا الزوجية حياة سعيدة في ظل اتباع أوامر الله عز وجل، وأن يبعدنا ويبعد الأمة من الشقاق والخلاف والنزاع.
وفق الله الجميع بما يحبه ويرضاه وأن يجعل حياتنا حياةً سعيدةً ناجحةً.
كشف الأوراق
ويشير الأستاذ سليمان بن يوسف العُمري.. المحامي والمستشار القانوني: أن الحكمة الإلهية اقتضت في عدم ترك الرجل والمرأة دون أهداف ومقاصد سامية يسعون لتحقيقها والتي منها، تحقيق العبودية لله حيث رغب سبحانه بالزواج بقوله: ?فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء ..? (3) سورة النساء، ومنها حفظ النسل واستمراره، وتحقيق الاستقرار النفسي والجسدي، ومن المقاصد تنمية الروابط الأسرية والاجتماعية يقول تعالى: ?وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا..? (13) سورة الحجرات، ومن المقاصد النبيلة وكل هذه الغايات تحتاج إلى عقد غليظ ذي شأن عظيم وهو عقد الزواج الذي أوجب الشارع سبحانه جملة من الأركان والشروط لصحة انعقاده، وهذا مما يدل على أهمية عقد الزواج الذي يجب أن يحرص كلا الزوجين على الاهتمام بديمومته وتعبد الله من خلاله وتكوين أسرة مثالية بقدر الإمكان قائمة على المصارحة والتفاهم والاحترام المتبادل، ولا أعتقد خلو أي أسرة من المشاكل الحياتية المعتادة والتي يمكن حلها بهدوء وعدم الاندفاع والتوجه إلى قطع الطريق لاستمرار العلاقة الزوجية من خلال التوجه للمحاكم سواء للطلاق -وهو أبغض الحلال عند الله- أو الخلع، والحرص كل الحرص على كشف أوراق كل من الزوجين للآخر منذ الخطوبة وعدم إظهار كل منهما وجهاً غير حقيقي بشريك حياته، بل يجب أن يشعر كل منهما عن ما يحب ويكره منذ البداية حتى لا يقع ما لا يحمد عقباه في النهاية، كما أرجو لأبنائنا وبناتنا وإخواننا وأخواتنا أن يجعل زواجاتهم مباركة، وأن يراعي كل منهم الله في الآخر.
الصراحة والوضوح
ويؤكد الدكتور عزت عبدالعظيم استشاري الطب النفسي بمستشفيات الحمادي بالرياض أن الشفافية والصراحة مطلوبة في شؤون الحياة كلها، وفي الزواج خصوصاً لأنه مستقبل أسرة وارتباطات عائلية واجتماعية واستقرار أسري وأبناء وأمور أخرى تظل مدى الحياة، ولهذا من الضروري أن يكون كل شيء واضحاً وعلى بيِّنة قبل الزواج حتى لا نخدع أنفسنا ونخدع الآخرين معنا وتتفجر المشاكل والخلافات الزوجية من ذلك، وتصبح مصدر للعكننة وتخاصم العائلات وتصدع الأسرة نظراً لعدم تحمل الطرف الآخر لظروف هذه المشكلة النفسية ونتيجة لعدم معرفته بها والموافقة عليها من البداية، ولهذا فإننا نرى أنه من الأفضل وضع كل الأمور بوضوح على الطاولة تماماً مثل الاتفاق على المهر والشبكة وأمور الزواج الأخرى، وعدم إخفاء الحقيقة عن الطرف الآخر، لكن قد يعترض البعض على هذا الرأي لأنه إفشاء لسر المريض وفضحه قبل الزواج دون داع، وقد يؤثر على إمكانية إتمام الزواج وربما الرفض وهذا أفضل من المشاكل والطلاق بعد الزواج وإنجاب أبناء، أما إذا تمت الموافقة بعد معرفة الظروف فهذا أفضل لأن الطرف الآخر سيقدر هذه الصراحة والوضوح ويحترم هذه الظروف ويتفهم الوضع، وبالتالي يتصف بالتحمل والتماس العذر للمريض مع الاهتمام والعطف والحنان، ومحاولة إراحته نفسياً بالابتعاد عن المشادات والمشاجرات والخلافات الزوجية تقديراً للظروف، ولهذه الصراحة الاستقرار الأسري.
المحرمات المعلومة
وتقول الداعية الأستاذة عالية بنت عوض الشهري: مما لا شك فيه أن ما نسميه إخفاء المعلومات الحقيقية عن الخاطب أو المخطوبة يسمى غشًا في الشرع، وهو من المحرمات المعلومة في الإسلام؛ فالرسول عليه الصلاة والسلام قال: «من غشنا فليس منا»، والله يقول جل وعلا: ?يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَخُونُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُواْ أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ? [الأنفال:27]،
وعلاج ذلك الفعل أولاً: بالعلم بمدى حرمة إخفاء أي عيب في أي طرف وخاصة في هذا الزمان الذي كثرت فيه عمليات التعديل والتبديل تحت مسمى التجميل، فمن حق كل طرف معرفة حقيقة ما تغير، كذلك بيان كل عيب خفي مهما صغر وللطرف الآخر قبوله أو رفضه.
ثانياً: أنه ليس بالضرورة أن يحصل الرفض إذا ذُكر العيب، فقد عرفنا حالات كان الصدق منجاة لصاحبه ومحل تقدير ورضى من الطرف الآخر.
ثالثاً: أن الجهل إذا وقع من الخاطب أو المخطوبة لصغر سن أو رغبة في الطرف الآخر فإن العقلاء من ذويهم والشهود يجب عليهم الخوف من الله ومراقبته وذكر الحقيقة وبيان العيب، فهم آثمون ومحاسبون ولا شك.
رابعاً: إدراك أن ما بُني على باطل وغش فهو باطل فاسد ولا بركة فيه ولا استمرار، فلا يبني أحدهم حياته على كذب وغش ويرجو لها السعادة والدوام.
خامساً: توعية المقبلين على الزواج بأهمية المصارحة وإخبار الطرف الآخر بكل عيب خلقي أو مكتسب قبل عقد الزواج خلال الدورات والبرامج المقدمة لهم ومن قبل المأذون وجعلها ضمن أهم ما ينبه عليه.
وفق الله كل راغب في الزواج إلى بناء بيته على أساس سليم صالح للبقاء والنماء.