الثقافية - مسعدة اليامي:
يلحظ كثير من المتلقين التراجع الكبير في حضور اللغة العربية على مستوى البرامج التلفزيونة والإذاعية، حتى على صعيد إتقان اللغة والتعاطي معها، ويتزايد هذا الاهتمام ويتسامى في هذه الأيام التي نحتفل فيها بذكرى اليوم العالمي للغة العربية..
«الجزيرة الثقافية» استشعرت هذا الأمر فطرحت هذه القضية واستضافت عدداً من المهتمين والمختصين في هذا الميدان للحديث عن هذا الموضوع، وكانت البداية مع أ. عبدالعزيز بن فهد العيد، كبير المذيعين المشرف العام على القناة الثقافية سابقاً، الذي قال في سياق تعليقه على هذا الموضوع: «لا شك لدي في أن ضعف مخرجات التعليم سبب رئيس، بسبب إهمال اللغة العربية في المناهج، واقتصارها على كتاب واحد مختصر, إضافة لمزاحمة وسائل التواصل الحديثة، التي زاحمت القراءة المباشرة من الكتاب، وسماع التسجيلات بلغة عربية فصيحة هذا الأمر بشكل عام,أما ما يخص المذيعين والمذيعات، فلقد ألغيت اللجان الاحترافية التي تجيد عملهم وتدربهم قبل أن يظهروا في البرامج الإذاعية والتلفزيونية,إضافة إلى الاهتمام بالمظاهر الشكلية للمتقدمين فقط، دون بحث عقولهم وما تكتنزه من علم ومعرفة وثقافة, وفوق ذلك قلة المكافآت التي تجعل المتمكنين من الجنسين يقدمون على عمل كهذا, والدليل أن بعض المحطات تمتلك مذيعين ومذيعات غاية في الأداء والثقافة وجودة اللغة، والحل هو في عودة لجان احترافية من المختصين، والتدريب العملي الجاد، ورفع قيمة الرواتب أو المكافآت.
أما الأكاديمية والقاصة د. عائشة يحيى الحكمي، فقد أرجعت سبب ضعف العربية بين صفوف المذيعين إلى عدة أسباب تحدثت عنها بقولها:
«ضمور اللغة العربية بين المذيعين وتفضيل العامية أعتقد وفق مقتضيات الحال ,المذيع الآن يصل إلى الإذاعة والتلفاز بعد مقابلات وإجراءات طويلة ومجرد الوصول يضرب بها عرض الحائط وكأن التحدث باللغة الفصحى مجرد وسيلة للوصول. وهناك عدة أسباب تبرر نكبة اللغة العربية. مع المذيعين المسؤول عن متابعة المذيع ما يهتم, بتطورات شخصية المذيع المهنية ,والثقافية. انتهى دوره بتمرير المذيع إلى العمل، استسهال التعامل مع اللغة العربية على المستوى التعليمي والاجتماعي , يميل المذيع إلى العامية لإرضاء أذواق العامة. يعني أصبحت فكرة المذيع ينزل إلى مستوى المتلقي وليس ارتقاء المذيع بذائقة المتلقي اللغوية ، والأمر الأهم, تناقص الاهتمام التحدث والكتابة السليمة في التعليم يعني الفصحى لغة الدرس فقط، اعتقد المسألة تحتاج أن نفكر في الهوية الحضارية لابد أن ننظر في المستقبل بصورة أفضل من خلال معالجة القصور نحو الفصحى والنظر لها كهوية ذاتية قبل العام, أعجبني موقف اللاعب المغرب. في حواره مع الإعلام بعد الفوز. يتناسب موقفه مع ضرورة إعادة النظر في الفصحى كمرتكز. هوية حضارية. لا غنى عنها البتة. فاللاعب المغربي ياسين بونو امتنع عن التحدث مع الصحفيين بأي لغة أخرى غير اللغة العربية رغم إجادته الإنجليزية والإسبانية والفرنسية, وكان موقفه مثيراً للغضب! إذا هي الإجابة هوية الذات, وإدراكها لوجودها ورفعتها لا يتحقق إلا بالارتكاز على الهوية الحضارية, لساني هويتي فإذا تنازلت عنه ضاعت هيبتي لا بد أن نعي نحن أصحاب اللسان العربي أن ما لنا بديل يحفظ لنا هيبتنا وشرفنا أمام الأمم إلا من خلال الالتحام بلغتنا وتوظيفها بصورة سليمة وقد عمل السابقون كل الجهود لديمومة أهميتها حتى لا نكون مثل الديك الذي حاول تقليد مشية الغراب تقليد أعمى فلما عجز حاول العودة إلى مشيته ففشل .. لا بد من الإدراك الذاتي الداخلي لأهمية العربية في ذات كل فرد عربي وتدارك مصيدة استمرار الاستلاب والسخرية من الآخر، وكل من كان إمعة للآخر عانى بلا حدود و يا رب عام لغة عربية أكثر وعيا وتطبيقا لجمالياتها.
العامية فتت لغتنا الثقافية
أما الباحث الثقافي د. محمد ربيع الغامدي، فقد حمل العامية أسباب تراجع العربية، حيث يقول:
علينا أن نستدرك وندرك في كل مرّة، أن لهجاتنا العامية هي لغة عربية أيضا! وفي كل الثقافات هناك لغة عظامية, وهناك لهجات تتفيأ تحت ظلالها، لهجات عديدة تقترب وتبتعد في انزياحها عن العظامية الأم,ولغتنا العظامية هي العربية الفصحى، وهي لغة عظامية تختلف عن كل اللغات العظامية الأخرى لأنها لغة القرآن الكريم، ولغة العبادات، ولغة الإرث الثقافي، ولغة الفعل الثقافي، وهي وسم ثقافتنا وعنوانه ا العظيم,ولأن لغتنا العظامية على هذا القدر من القداسة، فقد جاءت لهجاتنا العامة ضئيلة الانزياح عنها، بل جاءت أيضا وكأنها مبررة منذ أقدم عصور العربية، فأفرد لها اللغويون العرب مباحث خاصة بها، وبقوانينها، وبتوزيعاتها الجغرافية.
إن عاميتنا اليوم هي اختيارات شخصية، دعت إليها عادة المتكلم وظروف نشأته أحيانا، وربما كان ضعف إعداد المتكلم سببا آخر، وهي كما نرى أسباب طارئة يمكن مواجهتها بالدربة والتعليم في معظم الحالات,ويمكن لنا – ضمن غطاء استراتيجي- أن نقدم الكثير من المبادرات التي تلفت الانتباه للفصحى، وتردنا إلى لغتنا العظامية الأصيلة، ولعل تخصيص يوم لتلك اللغة هو جانب من جوانب تلك المبادرات.
إن المبادرات لتقف جنبا إلى جنب مع التدريب والتعليم، فإن كان التدريب والتعليم يسدان نقصا في الإعداد، فإن المبادرات تذّكر باللغة العظامية في غمرة انجرافنا مع عامياتنا التي تفتت مشاريعنا الثقافية وتقلل من مكانتها الثقافية.