علي الزهراني (السعلي)
جاءتني اللغة حاسرة الرأس حافية القدمين تبكي ويبدو من هيئتها إن النوم بينها وبينه فراق، استقبلتها بحرارة قبّلتُ ثغرها الحزين، مسحتُ على رأسها الناعم الحريري حاولت أن أجلسها فلم أستطع، لمحت مكاناً قصيّاً بعيداً عن الأعين فاطمأنت وقعدت أخيراً، حين كانت تتحدث دمعي يغازل مقلتيّ، صوتها مشحوبٌ فيه أنّات كل ذي حَيّ، فردت كفّها، لم أبصر تلك الخطوط، تأوّهت كثيراً بين بيني حروفها تساقطت، علاماتها تهاوت فواصلها مالت حين استقامت، بالكاد تجشّمت وكلما أنظر إليها ابتسمت، التفتت إلى السماء سائلة :
هل تغيّر لون سمائي، كنت أحسبه أزرق, قلت لها في اهتمام : هو أزرق فما الذي حلّ بعينيك حبيبتي؟ تتقطّّر منها دمعات، التقطتها بيدي، وبطرف كُمّ ثوبي على مهل أزلت، كلما اقتربت منها ازداد جمالها وإن ابتعدت لا أراها سوى من وراء ضباب لم ينقشع.
سألت كثيراً عن الأرض ما بها، لماذا استوت على جودي بساط مخملي مجهد، وأين حروفي، كلماتي ما بها تبدّات على لوحات المحلات ... حين أخبرتها حزنت وأرادت أن تغادر، فسحبتها إليّ برفق، حضنتها بقوة إلى صدري وتركنا لدموعنا تنساب علينا تصرخ : وا لغتاه.
ماذا تريدين منّا بالضبط حتى نأنس بوجودك، أرجوك لا ترحل فأنت البقية الباقية من لسان عربي مبين قالت ضاحكة :
البقية في حياتك.
رحلت وأنا بين غطاء القهر، وجلباب أرض واحدة وسماء ثامنة لا نعرفها، رحلت وتذكرت بيت شعر كنت أحفظه لحافظ عن ظهر قلب يقول:
أنا البحر في أحشائه الدر كامن
فهل ساءلوا الغواص عن صدفاتي
فيا وَيحَكُم أبلى وتَبلى مَحاسِني
ومنْكمْ وإنْ عَزَّ الدّواءُ أساتِي
فلا تَكِلُوني للزّمانِ فإنّني
أخافُ عليكم أن تَحينَ وَفاتي
أرى لرِجالِ الغَربِ عِزّاً ومَنعَة ً
وكم عَزَّ أقوامٌ بعِزِّ لُغاتِ
سطر وفاصلة
أنا بين نعم ولا
وما بينهما ( ) قوسين
إن فتحت أحدهما رقص الثاني بنغم
حيرة تتملكني تلملم شتات أفكاري
تسقطني مبعثراً كجثة تهاوت
بلا لحم ولا دسم
كصفر حاوم حول فريسته ولم أقترب
صاده الهوى فهوى
وبقي في جناحه بعض وسَم
أنا كذراع مسيحي فيه متاهة
الكون وعبر عدسة مكبرة بوشم