محمد خير البقاعي
أكاد أجزم ان العرب أجرأ البشر على ادعاء العلم بلغتهم درسوها أم لم يدرسوها فكلهم معلمو لغة أكفاء لأنهم عرب مع أن العامية حديثهم وهم لم يقرؤوا كتابا في نحو العربية وصرفها وأصواتها ولم يعرفوا نصوصها البليغة وبلاغتها ومعانيها. إن الخلط بين العربية المبينة والعامية التي تستجيب لكل التحولات والأساليب والاستفاضة في التعبير عن المعاني مما يوجد تضخما لغويا يتسلل إلى لغة الكتابة والحديث فيكثر الهذر وتضيع المعاني ويقع الاختلاف بين أطراف يظن كل منها أنه اللغوي المجلو ربما تجدن كتبا ملأها أصحابها مما يظنون أنه العلم اللدني في اللغة. أمام هذا الواقع المؤلم تنصرف المؤسسات اللغوية إلى ما أسميه رفاهية لغوية في معالجة موضوعات هي أشبه بالطقوس التي كان الرهبان ينصرفون إليها ويحجبونها عن الناس لأنهم يرونها تفوق قدراتهم المتواضعة. فتكرار المشاريع والسعي إلى النخبوية في معالجة لغة نزعم أنها فصحى وإذا خلا كل منا بنفسه أو بأهل بيته وزملائه تخلصنا مما نعده كابوسا وارتموا في أحضان لغة تتطور في كل يوم ولا تنتظر مجمعا أو مركزا لتحصل منه على شرعية قد يتأخر الحصول عليها.
والحاجة أم الاختراع. إن أول الخطوات في رد الاعتبار للعربية دراسة العامية في كل بلد واكتشاف آليات تعاملها مع المستجدات ورد ما حرفته من اللغة العليا إلى أصولها وتحديث المعاجم سنويا انطلاقا من الواقع اللغوي سعيا إلى التخفيف ما أمكن من حدة الازدواجية التي نتعامل معها بالتغافل عنها وتجاوزها ثم نلهث وراءها لنوصل مرادنا في جلسات الأنس بعيدا عن رفع المرفوع ونصب المنصوب.
لقد كشفت وسائل التواصل الاجتماعي عن مستويات لغوية أقرب إلى ما نسميه العامية. وأبعد عن اللغة التي نروج لها في مؤسساتنا النخبوية. العالم يتطور واللغات تفتح صدرها بحثا عن استمرارية مكانتها. تطور أساليبها وأبنيتها عن علم ولا تترك لمتنطع ما زال لا يعي ما يحدث حوله وفي بيته وفي قرارة نفسه ولكنه يكابر كما كابر الوليد بن المغيرة وغيره ممن أدهشتهم بلاغةالقرآن الكريم فمضوا وبقيت بلاغة النص القرآني حجة علينا وليس لنا تدعونا إلى سلوك الطرق التي تبدأ بإفراغ الساحة وتقريب المسافة بين الاستعمال اليومي واللغة بما لا يشق على المتكلم وعملا بمبدأ الجهد الأقل. وتسمية متطلبات الحياة أولا بأول ودعم جماليات الحديث القريبة إلى نفوس الناشئة ومعرفة رغباتهم وطريقة تعبيرهم عنها إغراء لا فرضا لأن نفوسهم تعافها وإن اصطنعوهامجبرين.
لغة الشباب والشارع والحياة هي لغة تصنع المستقبل القريب والبعيد فتعالوا إلى كلمة سواء تجعل مؤسساتنا قادرة على الوصول إلى صناع المستقبل إن كنا نحرص على نقاء ديننا واستمرارية لغتنا لفهم شريعتنا السمحة بعيدا عن سوء الفهم والتطرف الذي يتخذ في بعض أشكاله من اللغة سلاحا. إننا في المملكة العربية السعودية منذ الدولة السعودية الأولى والثانية ومع الملك عبد العزيز طيب الله ثراه ومن بعده أبناؤه الملوك رحمهم الله وفي عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود وولي عهده الأمين صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز آل سعود يحفظهم الله أحق من يضعون لغة القرآن في أولويات اهتماماتهم وهم يحرصون على ذلك ولا يبخلون بدعم أو توجيه فيه ارتقاء بلغتنا وثقافتنا ويشهد بذلك ما نشهده من اتساع في مجالات كانت تنتظر مثل ما تحصل عليه اليوم من دعم وتوجيه لتكون الأولويات صقل الإنسان السعودي والمراهنة على أبداعه والتزامه بوطنه وقيادته ومصلحة شعبه في الحفاظ على لغتنا بالانفتاح على التطور التقني والعلمي لترتقي مملكتنا إلى مكانتها العليا فهي مهد العربية وحصن القرآن والسنة في ركاب التطور المنشود. ليكن اليوم العالمي للغة العربية محطة نظر ثاقب وتخطيط صحيح لما تحتاجه لغتنا بعيدا عن الأقاويل التي تصرف البصر والبصيرة عن المشكلات الحقيقة.