حين وصلنا للمُهَلّل، تذكر والدته ووالده اللذين خطفهما الموت، تثاقلت خطواته في الطريق الذي حفظ كل شبر به، يعرف أشجاره ونباتاته، يكاد أن يعرف رائحتها وهو مغمض العينين يعرف تلك السبل التي ينمو بجدرانها التين الأسود، وحين لمس ثمار تلك الشجرة تذكر طقوس إزالة دمها الأبيض بمسحه على ورقة ( الحماط ).
وصلتُ وإياه للقرية بعد طول غياب وصلنا لبيته والذي غيرت ملامحه مرور الليالي والأيام أشاح بوجهه لكي لا أرى دمعته، مسحها بطرف غترته لكن عرفت ذلك في صوته المتهدج.
يا أهل البيت, ورد عليه صوت امرأة طاعنة في السن، أهله الله من أنت؟ الله يطعني عنك.
دخلنا للبيت بدرجه الواسعة بصبغتها الخضراء وبقايا ( قط ) أسود قديم باهت حين دخلنا المجلس شاهدنا امرأة كبيرة في السن، صاحبي قبل يدها ورأسها.. أما أنا فقد قبلت رأسها.. الله لا يهينكم، ومرحباً عداد السيل قالتها العجوز التي عرفتُ فيما بعد أنها عمته، معي لكم خبزة شعير ودلة قهوة أرسلتها جارتي فجسدي لم يعد قادراً على الحركة أو إعداد الطعام.
شكرناها، وعشنا مع ذكرياتها التي استدعتها وكانت فرِحةً بنا، قالت :يا أبنائي منذ زمن لم أتحدث مع أحد كنت أتحدث مع الجدران.
قالت لي الجدران : هذه القرى سيهجرها أصحابها، والعصافير ستهاجر حيث تجد سنبلة تشارك بها زارعها، قالت الجدران: لن يسأل عنك أحد، سيحل الصمت وصوت الوحشة في هذا المنزل الذي كان مقصداً لبناتك وأزواجهن والأطفال من كل صوب، لون الجدار يتجدد بساكنيه وأنفاسهم والتي تمنح البيوت المتلاصقة فكرة الوطن، قالت لي الجدران : ذهب الأحباب تجاه المدن يبحثون عن محبة ناقصة من أناس يرتدون الأقنعة.
بكى صاحبي بصمت قاتل ورأت العجوز دموعه، قالت له : اذهب فلن تجدني مرة أخرى، ستجد الجدران التي حدثتني طويلاً.. صامتة.
** **
- محمد علي علوان