يصل المرء إلى ذاته بعد أن يتخطى العديد من المعارك ويتجاوز العديد من المنحدرات ويترك أجزاء وأجزاء من روحه لكي لا يسقط يترك ما يحب بشدة ويؤلمه تعلقه به يترك ما يبكيه آناء الليل ويختفي أطراف النهار يترك المشاعر التي تُعثره الهفوات التي تخدعه ما يخاف ويرغب ما يتمنى ويحلم ما يعشق ويهوى لينجو فقط وحين يظن بأن الهزيمة وشيكة وأن الحلم مات والرغبة تبخرت والخوف عاد يائساً يريد أن يسبق موت رغباته يظهر الحلم في آخر الطريق يلوح له بنوره، يكلمه ليصل فيصافحه ويمضي من جديد ناسياً ما كان يمضي ليترك في مكان وقوفه ما جعله مُثقلاً باليأس ما جعله عطِشًا للهزيمة، يخلع عن ذكرياته الكلمات القاسية، يخلع الصرخات الحادة التي كانت تخبره بأن حلمه يشبه في رؤيته غبار النجوم يمحو كل الألفاظ المؤذية ويتخفف منها متكئاً على الأخرى على الكلمات النقية الخالية من الحقد من البغض، الأنانية يمضي وهو يرى أفواه أصحابها البشوشة تحثه على الوصول يرى السلام، والأمان يرى الطمأنينة والإلهام ينيران الطريق فتُبدِّد عتمة الكراهية ويتبدد أيضاً باقي الخوف المكنون والألم المدفون يصل المرء إلى ذاته بعد أن ينتزع من روحه الانتظار انتظار ثناء الآخرين انتظار الدهشة، الاحترام، التقدير انتظار المشهد الأخير من الفوز والتصفيق الحار من الجمهور الوهمي الذي لن يكون فيتقدم بخطوات موزونة بأعين لا يشتتها أحد تريد المزيد، تبتغي المزيد بعد أن ينتزع من صدره شراسة المنافسة فالقمة كما يقول غازي القصيبي «ليست مدببة لا تسع إلا لواحد إنما مسطحه تسع الجميع» يصل المرء إلى ذاته حين يكف عن إبهار الآخرين ويكون هو مرآة نفسه مبهور بها يكون جمهورها الأول مقدراً، معتزاً بهذا الإنجاز شغوفاً، مغامراً وحالماً بالوصول راغباً في الاكتشاف اكتشاف رغبات جديدة أهداف جديدة طُرق للتو تظهر أبواب لم تكن ها هنا والآن تُرى مقابضها وأحلام للتو تستيقظ من سباتها أنوار بألوان مشرقة، بهية، تدفع الأقدام على المضي إليها حين يكون يقظاً، ملتقطاً للفرص راغباً في رؤية المزيد جائع للمعرفة، للبحث، للسفر الطويل ولمس المشاعر التي تظهر على السطح كلما رمى في نهر الحياة أمنية وليدة في مهدها وكلما رغب أن تكبر بداخله ليحلقا معاً يصل حين يُقر أخيراً بأنه بطل في عين نفسه شجاع في عين نفسه قوي في إرادته مكافح فيما يخص مستقبله لين في قراراته صبور أشد صبر في خطواته وصديق للوقت ليمضيا معاً دن أن يدهس أحدهما الآخر دون أن يظلا في مضمار سباق حين يؤمن بأن النهايات التعيسة تُولِد البدايات ولكن ليست كل البدايات قابلة للعيش فالبدايات قد تُجهض قد تموت فوراً من الضحكة الأولى ويولد غيرها الكثير يؤمن بأن للروح مسكناً غير الجسد وأن الوقت الذي يقضيه في الصلاة، الدعاء، التأمل هو زادها يؤمن بأن للقدر أيدٍ خفية وأن خير نجاة للروح هو التسليم.
** **
- عُلا الحوفان
Twitter:@ola29x