د. محمد بن عويض الفايدي
قمة الشفافية على أرض المملكة العربية السعودية تلتقي فيها رؤى وتطلعات القيادة العربية والصينية لتحاكي رغبة وتوجهات الشعوب العربية في مشهد جديد ومختلف يستحق المباركة على هذا الاتحاد والاصطفاف لقادة الوطن العربي الذي حمل كل مضامين الشفافية ليلقي بكل الهموم والتحديات على طاولة اجتماع القادة العرب والرئيس الصيني ليترجم صفحة جديدة ومشرقة من العلاقات نستشف منها شكل جديد وفريد من علاقات القناعة والضرورة التي ألقت تمامًا مفهوم «اتفق العرب على أن لا يتفقوا» ليصبح الاتفاق والتوافق العربي العربي شعار هذه القمة في ملامح وجوه زالت منها الشكوك وحلت محلها القناعات بداية أولًا بضرورة الحضور وثانيًا بالإفصاح عن الهموم والحاجات بشفافية غير مسبوقة. وحقيقة جلية ومعطى واضح تشهده الأعين وتنطق به الألسن أن هذا مشهد مختلف وقد يكون غير مسبوق في العلاقات العربية العربية البينية في ظل الأزمات والتحديات والمخاطر المتعددة التي يعيشها العالم المأزوم اقتصاديًا وسياسيًا وعسكريًا وأمنيًا. وخروجًا من هذه المأزق وفي هذا السياق جاء انعقاد هذه القمة ليجيب بيانها الختامي على العديد من التساؤلات التي تدور في أذهان الشعوب. ولعل أبرز وأهم النتائج التي تمخض عنها هذا اللقاء الكبير التأكيد على تعزيز الشراكة الإستراتيجية بين الدول العربية وجمهورية الصين الشعبية القائمة على التعاون الشامل والتنمية المشتركة لمستقبل أفضل. ومبدأ الاحترام المتبادل لسيادة الدول ووحدة أراضيها وسلامتها الإقليمية. والتأكيد على مركزية القضية الفلسطينية في الشرق الأوسط وأهمية إيجاد حل عادل ودائم لها على أساس حل الدولتين من خلال إنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود عام 1967م وعاصمتها القدس الشرقية. وتبني نشر السلام والتنمية الدوليين بما في ذلك الحوار رفيع المستوى للتنمية العالمية والاهتمام بملفات التنمية وإعادة النهوض بها في العالم أجمع. إضافة إلى التأكيد على أهمية التمسك بمفهوم الأمن المشترك والشامل والتعاوني والمستدام. وتبادل الدعم بين الجانبين في القضايا المتعلقة بمصالحهم الجوهرية وهمومهم الكبرى وتعزيز التضامن بينهم في المحافل الدولية. أهمية تبني حلول سياسية للأزمات والقضايا الإقليمية وفقاً لقرارات الشرعية الدولية في سوريا وليبيا واليمن والتأكيد على ضرورة الحفاظ على وحدة وسيادة وسلمة أراضي هذه الدول. مع التأكيد على رفض التدخلات الأجنبية في هذه الدول وضرورة العمل المشترك على مواجهة التنظيمات الإرهابية والمتطرفة التي تعمل على أراضيها ودعم الجهود التي يبذلها لبنان والصومال والسودان لتحقيق الأمن والاستقرار والتنمية والازدهار ومكافحة الإرهاب. وتعزيز الجهود لمكافحة الإرهاب وإدانة الإرهاب بجميع أشكاله وصوره ودوافعه وضرورة مكافحته وعدم ربطه بأي عرق أو دين أو جنسية أو حضارة. وكذلك تكريس القيم المشتركة للبشرية واحترام حق شعوب العالم في اختيار الطرق لتطوير الديمقراطية والنظم الاجتماعية والسياسية التي تتناسب مع ظروفها. ورفض تسييس قضايا حقوق الإنسان واستخدامها كأداة للضغط عليها. أهمية تجنب المجتمع الدولي إقصاء مصادر طاقة الرئيسية أو إهمال الاستثمار فيها. ومكافحة التغيرات المناخية. وتعزيز مبادرة التعاون بين جامعة الدول العربية والصين بشأن أمن البيانات لمواصلة تعميق التعاون والدفع بحوكمة الفضاء السيبراني عالميًا. ودعم الجهود الرامية إلى منع انتشار الأسلحة النووية وأسلحة الدمار الشامل. والتأكيد على مبدأ عدم التدخل في سيادة الدول وحق السيادة المطلق للدول بسيادة الدولة على إقليمها وسيادة القانون في حل النازعات بعيداً عن التدخلات الخارجية. وفي هذا رمزية للحق الفلسطيني وحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره وقيام دولته على حدود عام 1967 والتأكيد على ما أسست له المبادرة العربية للسلام في الشرق الأوسط التي أطلقها الملك عبدالله بن عبدالعزيز -رحمه الله - والتي أكد علي مضامينها الرئيس الصيني في كلمته بهذه القمة. وواقع تايون الصينية وضمان التصويت العربي لصالح بقائها ضمن السيادة الصينية أمام المنظمات والهيئات الدولية. وكذلك ضمان استمرار الدعم العربي لتوسيع الصين دورها التقني على الساحة الدولية من خلال منظومة الجيل الخامس الذي تسعى الصين لتعميمه. يبدو أن أبرز مخرجات هذه القمة بداية هو التأكيد على أن الدول العربية أصبحت قبلة حقيقية ومحوراً مهماً جدًا في العلاقات والتجارة الدولية والدعم اللوجستي والجو سياسي بحكم موقعها الجغرافي وقاعدتها الحضارية والتاريخية العريقة التي يُرسخها الدين واللغة المشتركة والحضارة ومتطلبات المرحلة الآنية في ظل التحولات والتغيرات والأزمات والتحديات الخطيرة التي يشهدها العالم. كما أن إطلاق مفهوم التعاون والتنمية على هذه القمة له دلالة ورمزية يعكسهالنقلة الكبيرة في حجم التجارة البينية بين الدول العربية والصين فمنذ انطلاق منتدى التعاون العربي الصيني في عام 2004م التي كان فيها حجم التبادل بمقدار 36 مليار دولار ليصل في عام 2021 إلى 300 مليار بزيادة تقترب من 800 % في نحو 16 عامًا. ومن خلال تعزيز طريق الحرير الطريق البري والحزام البحري وتعظيم الاستفادة من التقنية الصينية في تطوير البنى التحتية في الوطن العربي وفي مقدمتها إنشاء المناطق السحابية والمشروعات العملاقة ذات الكثافة العمالية والاستفادة من المعرفة والبحث والتطوير التقني خاصة الصناعات الثقيلة وفي مجال سلاسل الإمداد والتوريد والدعم اللوجستي والنقل والموانئ ومكافحة الإرهاب وتعزيز النظام الأمني والدفاعي في الدول العربية ورفع كفاءته التشغيلية وتجسير العلاقات الثقافية والاجتماعية بين العرب والصينيين. ويترجم البعد الإستراتيجي مرجعية هذه القمة ويؤصِّل لذلك البعد التاريخي والاقتصادي والثقافي القديم كل القدم في تجارة التوابل والأقمشة منذ القرن الثامن الميلادي عندما كانت أوربا تعيش العصور المظلمة. وكذلك رغبة جميع الأطراف الصادقة في تجسير هذه العلاقة والارتقاء بها إلى مرحلة متقدمة من التعاون والتشارك المثمر لتحقيق الأهداف والمنافع المشتركة لهذه الدول والاستفادة من الموارد والإمكانات التكاملية بين منظومات هذه الدول وتسهيل الاتصال والتواصل بينها فيما يخدم مصالح شعوبها التي أصبحت موقنة بدور هذه العلاقة الفعال في خفض أثر التضخم وغلاء الأسعار الذي أنهك هذه الشعوب وسحقها في مقارنة بين أسعار السلع الغربية التي لا تُطال. وأسعار السلع الصينية التي تلامس الجودة وتلبي الحاجة ويمكن الحصول عليها بمدفوعات مالية أقل. والأخذ في الاعتبار أن هناك تكتلات اقتصادية أخذة في النمو السريع والاتساع مثل مجموعة بريكس BRICS وهي منظمة تجمع خمس دول هي البرازيل، روسيا، الهند، الصين، وجنوب إفريقيا. وقد تنضم بعض الدول العربية لهذه الكتلة الاقتصادية الصلبة والناشئة في ظل الترهل والشيخوخة الغربية. وأن هناك تغيراً حقيقياً دولياً في المسار الاقتصادي وأن مقوم الاقتصاد في منظومة الأمن القومي للدول قد استدار نحو الشرق. وأن الصين قد أرست دعائمه منذ ما يزيد عن عقدين من الزمن وأصبحت تستثمرها استثمارًا واعيًا يساندها في ذلك الأزمات العالمية وفي مقدمتها أزمة الغذاء التي فاقمتها الحرب الروسية الأوكانية. وإحساس قادة هذه الدول بعظم المسؤولية التي يتحمّلونها أمام شعوبهم لإيجاد منافذ عملية لتخفيف وطأة هذه الأزمات عليهم وإيجاد بدائل حقيقة وحلول ملموسة ليست في شكل وعود وآمال.
ومن المؤكد أن أهم العوامل لوضع مقررات ونتائج هذه القمة العربية موضع التنفيذ والآليات التي يتم التنفيذ من خلالها ولعل في مقدمتها العلم والتعلّم والبحث العلمي والتطوير التقني الذي سبق التأصيل له بين الدول العربية والصين ويحتاج لمزيد من الاستثمارات. وتوسيع دائرة الشراكة بين مراكز البحث والتطوير الصينية والعربية وتأسيس نظام للتفاعل المستمر بينها والتركيز على التدريب ونقل الخبرات والتجارب وتبادل المعلومات التي تعد آلية فعاله لبلوغ الغايات وتحقيق الأهداف. كما أن الاتصال والتواصل بين الزعماء والقادة والمسؤولين ومدراء الشركات والخبراء والفنيين من أنجح سبل بناء الثقة وتجاوز التوقفات. ولعل الاتفاقيات والمبادرات ومذكرات التفاهم بين هذه الدول هي المرجعيات التي تنطلق منها الإجراءات التنفيذية للتعاملات وانطلاق الأعمال الضخمة والمشروعات ذات الكثافة العمالية. كما أن الاستثمار في رأس المال البشري أحد أهم عمليات الاتصال الفعَّال بين هذه الدول.