د.محمد بن عبدالرحمن البشر
كنت أتابع في إحدى القنوات لقاءً مع أحد علماء النفس، ولست بالخبير في ذلك، وكان يتحدث ضمن ما يتحدث عن الوسواس، وكيف أن الموروث الاجتماعي يمكن أن يكون حاضراً عند من أصيب بذلك المرض النفسي إن صح التعبير، وما ذكره من أن ما يتابعه المرء عبر التلفاز من أحداث سياسية واقتصادية، قد تكون حاضرة عند من أصيبوا بذلك المرض، كما أن نوعية الأفلام التي يتابعها المصاب ذات تأثير بالغ، وقد أضيف إليها في الوقت الحاضر وسائل التواصل الاجتماعي التي تعج بكل غثٍّ وسمين، ومفيد وتافه، وصدق وكذب.
كان يتحدث عن أن الوحدة، والضغوط النفسية، والظروف المادية، والمشاكل العائلية، وغيرها من الأسباب التي تؤدي بالمرء إلى الوقوع في هذا لمرض، حمانا الله وإياكم من كل مكروه، ولاشك أن الاستعداد النفسي الوراثي، والظروف التي نشأ فيها الفرد، تجعل الاستعداد لمثل هذا المرض أكثر قبولاً، ولا أظن أن هناك إنساناً، لم يتعرض للضغوطات النفسية، فقد خلق في كبد، وسوف يكابد الحياة حتى الممات.
من الموروثات المعروفة في إفريقيا تحت الصحراء أن السحرة لديهم قدرة خارقة، يستطيعون من خلالها التأثير على الثوابت، وفعل المعجزات، سواء المعجزات الإيجابية، أو المعجزات السلبية، والأغلب منهم يؤمن بذلك إيماناً مطلقاً، فإذا ما حلت به ضائقة لجأ إلى مثل هؤلاء، طالباً منهم العون، وفي الغالب مقابل المال، ثم يبدأ الساحر بعمل بعض الطقوس التي توهم المريض بأن الساحر يفعل شيئاً يقدر من خلاله على إنقاذه مما هو فيه، ونظراً للاستعداد النفسي لذلك الفرد لقبول ما ينصح به هذا الكاهن، فإنه يأخذ ذلك يقيناً، ويعمل بموجبه، ولا ريب أنه لن ينفعه، ولكن ربما قد يضره، والاستعداد النفسي تحت الضغط يجعل الإنسان أكثر قبولاً لما يطرح أمامه من حلول، ومنها الحلول السحريه، والشعوذة، التي لا طائل منها، لكن ربما يكون للإيحاء تأثير في الشفاء من المرض، والبعض منا ربما قد قرأ أو سمع عن ذلك الأسلوب الذي استخدمه ابن سينا عندما أراد أن يعالج شخصاً سميناً، فبعد الفحص، أبلغه أنه سوف يموت لا محالة بعد ستة أشهر من الآن، فأصاب ذلك الرجل الكثير من الهم والغم، وانصرف عن الأكل حتى فقد الكثير من وزنه، وبعد تجاوز الوقت المحدد، لم ير أي تغير سيئاً في صحته، وبقي على قيد الحياة، ثم ذهب إلى ابن سينا، وقال له: ها أنا قد جئت إليك ماشياً ولم أمت في الوقت الذي حددته لي، فقال له: انظر إلى جسمك الذي كان مكتنزاً بالشحم كيف أصبح الآن، لقد شفيت من مرضك بإذن الله، وما كان ذلك سيتأتى لولا ما طرحته عليك.
مشاهدة الأفلام البوليسية ممن لديه الاستعداد النفسي للتأثر، تجعله أكثر خوفاً وقلقاً، وتدفع به إلى الاعتقاد بأن هناك أموراً يجلبها من حوله تسير بنفس الطريقة التي تسير بها دراما الأفلام التي يشاهدها، وربما يتقمص مصير شخصية من شخصيات ذلك الفلم التي يكون فيها ضحية ما، ويوهم نفسه بذلك، ومع مرور الوقت، ومشاهدة الأفلام يزيد ذلك التأثير، مما يخرجه من الواقعية إلى غير الواقعية، ويتخيل أشياء لم تكن في الحقيقة موجودة البتة، ويسير في هذا الدرب أشهر أو سنين، وتزداد الحالة مع مرور الوقت، وكلما مر الوقت صعب العلاج وكلما شاهد أفلاماً جديدة كلما زادت قناعته بأن ما يراه من وهم هو عين الحقيقة التي لا مراء فيها.
متابعة الأخبار، وما يحدث على الساحة العالمية من أحداث جسام، ربما تؤثر على ذلك الفرد القابل للتأثر والذي لديه الاستعداد النفسي للتقمص الذي يجره إلى الوسواس القسري، والاندفاع نحو تخيل أوهام وكأن هناك مؤامرات تحاك حوله للإضرار بشخصه، ومع مرور الوقت يؤثر فيه بدرجة كبيرة في الفترة التي يعيش فيها ذلك المرض، ويفسر كل ما يفعله من حوله من صديق، أوكاره، أو أقرباء، وكأنهم جميعاً يحيكون حوله المؤامرات، ويعيش ذلك الهاجس ويسير في ركبه، ويفسر كل ما هو إيجابي إلى أمر سيئ، وكأن ذلك جزء من المؤامرة التي يصنعها الآخرون ضده، بينما هو إنسان بسيط يستطيع أن يعيش حياة بسيطة سعيدة، والغريب في الأمر أن ذلك الوسواس القسري، قد يصيب الشاب، ومن هو في منتصف العمر، وأيضاً الشيخ الكبير سواء الرجال أو النساء على حد سواء، ومع كل الأسف فإن المصاب بهذا المرض يفقد الكثير من الأصدقاء والأقرباء، وهو لا يعلم أنه يفقدهم بهذا الأسلوب الذي يتبعه قسراً دون وعي.
لا أجد علاجاً لهذا المرض أنجع من الإيمان بالله، والتوجه إلى الخالق والثقة فهو المدبر لهذا الكون الفسيح، وهو المسير للأمور، وأمره بين الكاف والنون، ولا أحد يستطيع أن يضرك أو ينفعك إلا بمشيئة الله سبحانه وتعالى، الخالق، الرازق، القادر، المهيمن، العزيز, الجبار، سبحانه وتعالى، والبشر جميعاً في قبضته، يقلب القلوب كيف يشاء، وكلما زاد الإيمان زادت الطمأنينة، والسعادة، والبعد عن الخوف، جعلنا الله وإياكم من الصالحين في أنفسنا، المصلحين لغيرنا.