علي الصحن
مع نهاية كل مشاركة للمنتخب الأول في منافسات كأس العالم، يتسابق الجميع في مقالاتهم ومقولاتهم إلى تقديم نصائح ومقترحات يزعمون أنه سوف تسهم في تطور مستوى المنتخب، وتزيد قوته وتجعله ينتقل من مرحلة المشاركة إلى المنافسة، وتساق من خلال ذلك عشرات الآراء والنصائح التي يحرك معظمها العاطفة والميول لا أقل ولا أكثر، ولعل في مطالب البعض إقالة مدرب المنتخب هيرفي رينارد هذه الأيام يؤكد ذلك، رغم تميز النتائج التي حققها الأخضر مع المدرب الفرنسي، إن في التصفيات المؤهلة للمونديال، أو في مباراته الأولى أمام الأرجنتين، قبل أن تعصف به الإصابات وتؤثر على حضوره الفني، ومع ذلك كان الأفضل أمام بولندا، وكان قريباً من تحقيق شيء لولا الحظ وبعض قرارات الحكم.
عندما تقودك العاطفة لن تقديم آراء منطقية يحدث ذلك في عالم كرة القدم وفي كل المجالات، وعلى سبيل المثال هناك من يقترح مدرباً بعينه لقيادة المنتخب، ويلح في ذلك، ومع ذلك لم يسبق له أن رشحه لتدريب الفريق الأول بناديه حتى وهو يمر بمرحلة يغير فيها المدربين الواحد تلو الآخر، ويحتج على عدم ضم لاعب بعينه للمنتخب، وهو الذي يرفض وجود في قائمة ناديه المفضل، ويصر على رفض مشاركة لاعب ثالث، وعندما تسأله من البديل، يعجر أن يذكر لك اسماً بعينه، ويوم تقول له ما هي أوجه التقصير من المدرب، يعدد لك مبررات واهية لا قيمة لها.
الحل بيد الأندية، هذه هي الحقيقة التي يجب مواجهتها عند الحديث عن المنتخب، اتحاد الكرة وإدارة المنتخب ومدربه لا يمكنهم القيام بأعمال من صميم عمل الأندية، ومن ينتقدون خيارات المدرب عليهم أن يقولوا: ماذا قدمت الأندية للمنتخب، وهل لديها العناصر الكافية والمؤهلة لخدمة المنتخب بالشكل المطلوب.
على سبيل المثال: من هو البديل المناسب للظهير الأيسر ياسر الشهراني إذا ما كان معظم من يشغلون هذا المركز من اللاعبين الأجانب، حتى في ناديه الهلال لا يوجد له بديل، وقد تعاقد النادي مثلاً مع العبيد ثم غادر، ويقع المدربون في ورطة حقيقية لسد الفراغ الذي يخلفه ياسر، مرة يجربون لاعب وسط ومرة قلب دفاع، وكلهم يعجزون عن القيام بالدور الذي يقوم به، وما يقال عن الظهير الأيسر يقال عن حراسة المرمى وعن لاعبي خط الهجوم، فالأندية تعتمد بالكامل على اللاعب الأجنبي في هذه المراكز، ولم تقدم في السنوات الأخيرة اللاعب الذي يمكن أن يقوم بالدور المطلوب إلا ما ندر.
المدربون الذين يحققون نتائج مميزة مع منتخباتهم يجدون اللاعبين المميزين وبالعدد الكافي لتنفيذ الأدوار المطلوبة منهم، اكتشاف اللاعب وصقله ورعايته وتأهيله ومنحه الفرصة أشياء تبدأ من الأندية، ونوعاً ما من منتخبات الفئات السنية، ولا يمكن طلبها من مدرب المنتخب الأول، فهل قامت الأندية بذلك، وهل طالب المحللون الذين يتسابقون لتقديم مقترحاتهم الأندية التي ينتمون إليها بأن تتحلى بمسؤولياتها في هذا الجانب؟ وأن تعمل على دعم الفئات السنية واكتشاف المواهب وتقديمها بدلاً من السباق على التعاقد مع لاعبين لمجرد أن أندية أخرى تفاوضهم أو بناء على رأي سمسار لا علاقة له بالأمور الفنية، أو استجابة لضغوط جماهيرية، ومن ثم ينتهي المطاف باللاعب إلى دكة الاحتياط، وطي صفحة نجوميته التي كانت ستنضج أكثر لو أخذ فرصة المشاركة والمنافسة في فريق آخر يحتاج له بالفعل.
المطالب والمقترحات يجب أن تتسق مع المنطق وألا تتلبسها العاطفة والميول، وللأسف معظم ما قرأناه أو سمعناه بعد نهاية مشاركة الأخضر في مونديال 2022 لم يخرج من هذه الدائرة، لدرجة أن القارئ والمستمع يتساءل أحياناً: كيف أصبح فلان إعلامياً لفرط ما يراه من تسطيح في الرأي وبعد عن المنطق واتباع بالغ للميول.