ما هي هذه «اللغة» التي تتفاهم بها الكائنات كلها؟ ما هذه الموجات..؟ ما هذه الأصوات، ما هذه العطور، ما هذه الإشارات التي تملأ الدنيا حولنا، ولها معنى واحد بأن هناك عقلاً وحكمة يستوعب العالم ويمسكها.
اللغة مربوطة بسلاسل اسمها المنطق، أو قواعد العقل، حتى تلك السلاسل لا تربط اللغة، إنها تخنقها، فالعقل هو خالق اللغة، وعلى ذلك فأية لغة عقلية هي لغة مجنونة، وأي معنى تنقله هو جثة معنى. ومن هنا ظهرت كل الاتجاهات الأدبية والفنية التي تقول: إن كل شيء ممل.. كل شيء لا معنى له، وإذا كان له معنى، فالمعنى تافه.. فلا معنى لشيء، ولا طعم ولا فائدة من الكلام عن شيء.
والعقل الإنساني لغز كبير، وإننا نحاول أن نفهمه، ولكن الوسيلة التي نحاول بها أن ندرك معنى العقل، لا يوجد لدينا شعاع ضوء يمكننا من ذلك، وللعقل خاصية غريبة هي للتفكير والإبداع، إذن ما هذا الذي يجعل إنساناً عبقرياً ويجعل إنساناً غيباً ما دام المخ واحداً لونه وحجمه ووزنه.. أي ما دام العقل واحداً؟
إننا في حيرة، والحيرة هي بداية الهداية.. وفي قلق، والقلق هو بداية الاطمئنان.. والتساؤل بداية البحث عن إجابة، والشك بداية المعرفة... أليس كذلك..؟ والذي يشعر بالملل ليس هو الذي لا يرغب في الحياة، وليس هو الذي لا يرغب في الموت... والذي لا يرغب في الحياة، يرغب في الموت، والذي لا يرغب في الموت، يرغب في الحياة...
نظرت إلى السماء فوجدت النجوم كأنها تقترب أكثر وأكثر تريد أن تسمع ما نقوله عنها وعن ميلادها من ألوف ملايين السنين، وموتها بعد ألوف ملايين السنين، فالنجوم كالإنسان، تولد وتنمو وتزدهر وتذبل ثم تموت.
إن في الكون ألوف ملايين ملايين الكواكب الأخرى مثل الأرض تدور حول ما لا عدد له من النجوم مثل الشمس.. وفي هذه الكواكب أشكال وألوان من الحياة العاقلة.. أعقل وأعظم من الإنسان.. لو قال النمل الذي يجرجر صرصارا: نحن الكائنات الوحيدة في هذه الأرض، ولو قالت أشجار الليمون نحن الأشجار الوحيدة على هذه الأرض..
فلا بد أن ننظر إلى الشجرة كيف تعطي ثمارها بصمت، دون أن تسأل من الذي أخذ.. ولننظر إليها كيف تتطلع دائماً إلى فوق، وكيف يزيد ارتفاعها بنسبة ما يزيد عمقها، ولننظر إلى الزهرة كيف تبدو دائماً جميلة، دون أن تتكبر، ودائماً أنيقة دون أن تباهي، وكيف تكون ألوانها أبداً منسجمة، دون أن يكون فيها تعنت أو ادعاء، وكيف يضوع طيبها باستمرار.
إن أوراق الأشجار التي تتناثر مع قدوم فصل الخريف، تلك التي اعتاد الأدباء والشعراء أن يتخذوها رمزاً لحقيقة الموت والحياة. إن كل شيء في هذه الحياة يجري وفق نظام مرسوم منذ الأزل، فالحياة والموت، والفرح والترح، والليل والنهار، ما هي إلا أدوار تأتي في مواقيتها منذ أن أوجد المبدع الحكيم هذه الحياة.
** **
merajjnu@gmail.com