د. محمد بن إبراهيم الملحم
كثيراً ما نسمع هذه العبارة «كان لدي اجتماع ممل» وهناك أيضاً مقولة: إذا أردت لأمر ما أن يموت فأحله إلى «لجنة»، ولكي أبيّن الرابط بين الأمرين فهو أن اللجنة ليست في النهاية سوى مجموعة من «الاجتماعات» والتي غالباً تكون غير منتجة، وسبب عدم هذه الإنتاجية لا يعود إلى كسل المجتمعين ولا إلى قلة اهتمامهم بموضوع الاجتماع بالضرورة ولكنه يعود إلى منهجية الاجتماعات أو الفهم الخاطئ لها ولأغراضها، فبالنسبة للأخيرة ترتبط بمشكلة الجاذبية الخاصة التي يحملها «الاجتماع» لدى بعض القياديين فهم يعشقون الاجتماع لذاته لا لوظيفته، فيحب أن ينجز عمله من خلال اجتماع، ويظن هؤلاء أن كل القضايا باختلاف أنماطها تعالج بالاجتماعات وفي مثل هذه الحالات قد تجد نفسك أحياناً في اجتماع يتحدث فيه شخص واحد طول الوقت لتسمع منه «توجيهات» أو أفكاراً يطرحها بطريقة من ينتظر تأييد الحاضرين لها (ولاشيء غير التأييد) وهي لغة بات أغلب الناس يفهمها اليوم لذا يحصل التأييد غالباً وينفض الاجتماع بعد أن استهلك أوقاتهم التي كان يجب أن تبذل في إنجاز العمل، وإذا كان هؤلاء تعساء الحظ فسوف يوجد بينهم من لا يتقن فهم هذه اللغة (أقصد لغة الموافقة) فيناقش المتحدث ويفتح أبواباً ونوافذ جديدة ليطول أمد النقاش ثم ينتهي في ختام الاجتماع الذي أخذ وقتاً أطول بكثير بنفس النتيجة التي كان سينتهي بها لو لم تطرح تلك التساؤلات وهي تأييد ما قدمه المسؤول الأول من أفكار وتصورات. الاجتماع لا يكون إلا لوجود حاجة إلى «مناقشة» وتبادل أفكار، أما الأمور المحسومة أو التي يراد لها أن تكون محسومة فلا يجوز إضاعة أوقات الناس في اجتماعات لأجلها ويكفي أن ترسل لهم في خطاب يبلغون بها وبمضامينها.
المرض الثاني للاجتماعات غير المنتجة هو غياب منهجية الاجتماع، وهو نتيجة مباشرة لغياب الثقافة الإدارية السليمة والتي تصيب من يتولى العمل القيادي بطريقة مبتسرة دون المرور بتدرجاتها أو الحصول على تدريب محترم يكفل له الإعداد الجيد للدور القيادي خاصة التدريب أثناء العمل والذي يسمى coaching ويكون من أسبابها أيضاً فقد الشخصية القدوة قيادياً والتي يفترض أن يحذو القائد الجديد حذوها ويتعلم منها لا أن يكون تسلمه موقعه الجديد بطريقة قفز درجتين في السلم. وماذا نقصد بمنهجية الاجتماع؟ إنها يا سادة مجموعة من الإجراءات البسيطة جداً ولكنها مغيبة تماماً، أولها: الإعداد للاجتماع بكتابة أهدافه وموضوعاته التي سيناقشها، ثانيها: إجراءات الاجتماع وبروتوكولاته التي ترسم دور كل واحد من المجتمعين وتوضح طرائق الوصول إلى قرار بوضوح وشفافية، ثالثها: توثيق الاجتماع بما يوضح بجلاء أبرز ما نوقش فيه وحصر القرارات الناتجة (وهو حصاد الاجتماع) مع بيان أهم التوصيات بشأن كيفية تنفيذ كل قرار خاصة الحدود الزمانية والمكانية وذوي العلاقة من الأشخاص أو الجهات.
ولو أهملت كل جوانب هذه المنهجية وبقي آخرها وهو التوثيق لتحققت للاجتماع أدنى درجات السلامة، ولكن لأن الغالبية العظمى من الاجتماعات يغيب فيها التوثيق أو يتم مبتسراً أو معوقاً لا يسمن ولا يغني من جوع حيث يكون مجرد جمل عامة يسهل تفسيرها بطريقة مغايرة لاحقاً ولا تتضح فيها الحدود والمسؤوليات، فإن جهود الاجتماعات تذهب غالباً هباءً منثوراً. ومع الأسف هذه حال أغلب مؤسساتنا اليوم التعليمية وغير التعليمية، لقد كنت مع اثنين من أقاربي كل منهم في قطاع مختلف وجاء الحديث في هذا الشأن ليفاجئ كل واحد الآخر أن نفس المأساة موجودة في مؤسسته، في نظري هذه قاصمة الظهر لأغلب المنظمات وهي أول علامات الفشل القيادي وتراجع الثقافة الإدارية.
** **
- مدير عام تعليم سابقاً