سارا القرني
منذ تولي جو بايدن سدّة الرئاسة في البيت الأمريكي عام 2020م تعهّد أن يجعل السعودية دولة منبوذة وهو عاجز عن ذلك، وكانت الأسباب كثيرةً في نظره وكافية لأن يجعل السعودية تدفع الثمن كما توهم، لكن ثمن ماذا؟ وما هو الثمن تحديداً؟ وما هي الكيفية؟ كلّ تلك الأسئلة كانت تتغير إجاباتها من حين لآخر حسب مصالح الإدارة الأمريكية.
المملكة العربية السعودية.. دولة اعتادت سياسة النفس الطويل أمام الأزمات التي يختلقها الغرب تجاهها، وحتى وإن تغيرت طريقة الخطاب أحياناً وكانت على طريقة الرد المباشر وتفنيد الاتهامات الموجهة لها بالمنطق.. إلا أنها تلتزم بسياستها الحكيمة ولا تبحث عن التصعيد، فطالما كان النهجُ واضحاً وسليماً «إذا لم أكسبك صديقاً، لن أصنع منك عدواً».
مرّت العلاقة بين المملكة وأمريكا بركود تنتظر فيه أمريكا الفرصة تصعّد، وتتجاهل فيه المملكة كلّ ذلك وتمضي في تطوير ما تمتلكه واستغلال ما يمكن استغلاله من مقدّرات اقتصادية وسياسية.
في السياسة عموماً لا يمكن التنبؤ بالمستقبل البعيد.. لأنّ الأحداث تتوالى والمفاجآت تحدث دون سابق إنذار، فجاءت الحرب الروسية الأوكرانية كصاعقة على أمريكا التي تحرّكت لتُصلح ما أفسدته ولتتدارك ما يمكن تداركه مع المملكة.. من باب لعلّ وعسى.
زيارة بايدن للمملكة ذلك الوقت كانت هزيمة دون أدنى شك، ومحاولة سدّ الرأب التي حصلت ما كانت إلا فشلاً يُسجّل في إدارة بايدن، لم تنكرها صحف العالم ولا حتى وسائل الإعلام المعادية.
وفي الوقت الذي بعثت فيه المملكة رسالتها الصريحة بأنه لا شيء دون مقابل، ولا مصالح فردية لكن مشتركة، استمرّت الإدارة الأمريكية في التخبّط حتى انفرط الأمر من يديها إذا صحّ القول، ولأنّ لكل دولة الحق في أن تبحث عن مصالحها التي توائم تطلعاتها وتعمل على ازدهارها، وجدت المملكة في الصين فرصةً لم تتردد في انتهازها، فرصة لخلق النمو الاقتصادي.. وخلق جو من التوازن السياسي في المنطقة إذا صحّ التعبير.
زيارة الرئيس الصيني.. لا تشكّل مفترق طرق بين العلاقات الغربية العربية، لكنها ترسل إشارات بارزة لأهمية المنطقة العربية والشرق الأوسط عند اتخاذ أيّ قرار، فلا يمكن بعد الآن تجاهل المصالح العربية عامة والسعودية بشكل خاص في أي اتفاق قادم على الملف النووي الإيراني، أو محاولة تسييس أوبك بما يخدم مصلحة دولة على حساب العالم، ومن غير المقبول أيضاً ممارسة الضغط بقضايا حقوق الإنسان لتحقيق غاية غربية.
الصراع الأمريكي الأوروبي مع التكتل الصيني الروسي لن ينتهي.. ومحاولة استمالة الدول العربية وأولها السعودية نحو كفة دون أخرى باء بالفشل طالما لن تجد السلامة في حياد أو تحيّز.
تذكرت رواية «لاعب الشطرنج» للكاتب النمساوي «ستيفان زفايغ»، كانت في مجملها رواية تحكي عن بطل العالم في لعبة الشطرنج وهو قرويّ مغرور لا يرى نفسه إلا في هذه اللعبة، ومحامٍ لا يملك إلا نسخةً مسروقة من كتاب «فنون لعبة الشطرنج»، التقى الاثنان الباخرة لتدور بينهما لعبة مثيرة تنتهي بانسحاب المحامي واعترافه بالهزيمة.
هذا هو الحال تقريباً.. التكتل الغربي الأوروبي ضدّ التكتل الشرقي «روسيا والصين»، روسيا والصين تستعرضان موهبتهما ومهارتهما، وأمريكا تحاول تنفيذ كلّ ما في الكتاب من خطط، أما الباخرة.. لن تأبه لأحدهما وستُكمل الطريق.