حمد بن عبدالله القاضي
*لا أدري لماذا أطلق النقاد على بعض شعراء الجاهلية مسمى الشعراء الصعاليك..
وإنك عندما تقرأ شعرهم وبالأخص الشنفري تجد في شعره - وبالأخص لاميته- شعراً يفيض بمكارم الأخلاق وعفة النفس، وشيمة الإباء.
بل إن هذا الشاعر اعتزل الناس لما رأى منهم وفيهم من سيىء الأخلاق وحدة الطمع.
لقد صادق حيوانات الصحراء واتخذها أخلاء له من (سيد العملس) إلى (عرفاء جيئل)..
* * *
ولنقرأ بعض أبيات قصيدته (اللامية) التي هي ذروة في المكارم التي حثت عليها:
أقيموا بني أمي صدور مطيكم
فإني إلى قوم سواكم لأميل
فقد حمت الحاجات والليل مقمر
وشدت لطيات مطايا وأرحل
وفي الأرض منأى للكريم عن الأذى
وفيها لمن خاف القلى متعزل
لعمرك ما بالأرض ضيق على امرئ
سرى راغباً أو راهباً وهو يعقل
وإن مدت الأيدي إلى الزاد لم أكن
بأعجلهم إذا أجشع القوم أعجل
وما ذاك إلا بسطة عن تفضل
عليهم وكان الأفضل المتفضل
وإني كفاني فقد من ليس جازيا
بحسني ولا في قربه متعلل
ثلاثة أصحاب: فؤاد مشيع
وأبيض إصليت وصفراء عيطل
وأغدو خميص البطن لا يستفزني
إلى الزاد حرص أو فؤاد موكل
أديم مطال الجوع حتى أميته
واضرب عنه الذكر صفحاً فأذهل
وأستف ترب الأرض كيلا يرى له
علي من الطول امرؤ متطول
* * *
بربكم..
أرأيتم أجمل من هذا الشعر..
أرأيتم أبهى من هذه المكارم؟
لطالما سمعت الصديق الأستاذ عبدالله الناصر الملحق الثقافي السعودي السابق ببريطانيا وهو يردد هذه الأبيات الصحراوية وهو بغربته في لندن.
وكنت كلما سمعتها منه أكبرت الشاعر (الشنفري) الذي رأى أن في الأرض منأى للكريم عن الأذى.. وأن فيها لمن خاف القلى معتزل.
* * *
ولكن من يملك إرادة الشنفري وتضحيته من أجل عشق المكارم حيث استطاع أن يبتعد عن الناس وأن يستبدل بهم أصدقاء من الصحراء.
وقد يكون معذوراً.
فقد يكون وجد في نعيم هذا التواصل ما أراحه من جحيم البشر.