د. تنيضب الفايدي
اشتهرت كثيرٌ من القرى والمواقع في الأدب والشعر ولاسيما أدب الرحلات، وكانت رحلات الحج أكثر ما خلد آثار القرى لوقوعها على طريق الحجاج، وتتعدد تلك المواقع والقرى بتعدد طرق الحجاج ومحطاتهم، ومنها ضرية التي اشتهرت على طريق الحاج البصري، حيث ذكرتها المصادر التي تناولت طريق الحاج البصري ومن ضمن تلك المصادر كتاب المناسك وأماكن طرق الحج للحربي: إبراهيم بن إسحاق بن إبراهيم (198/285م) أو كتاب الطريق للقاضي وكيع: محمد بن خلف بن حيان من تلاميذ الحربي المتوفى سنة (306هـ) فقد ذكرها ضمن أرجوزة تنسب لذي الرّمة تقول:
حتى إذا مرت على ضريّة
مرَّتْ بأرض نَزْهةٍ عذيّه
نازحة عن الأذى بريّة
فنزل القوم هناك منزلا
لم ينزلوا في مثله فيما خلى
ماء رواء، ومنداً مقبلا
فضرب القوم هناك الأبنية
منها فساطيط، ومنها أخبيه
وبسطوا البسط عليها الأوعية
ثم ثووا في راحة وخفض
حتى إذا ما جنحت للدَّحض
شمس النهار، أزمعوا للنّهض
فأوردوها شبما رقيقاً
وأكلوا وشربوا السويقا
ثم رموا بالأينق الطريقا
وتعتبر ضرية حالياً إحدى بلدات منطقة القصيم، حيث تقع في الجزء الجنوبي الغربي في هذه المنطقة الغالية وتذكر المصادر بأن مسمى الضرية نسبة إلى ضرية بنت ربيعة بن نزار و قد عرفت ضرية قبل الإسلام حيث تدل بعض الأحداث والأخبار التي ذكرت في المصادر أن اسم ضرية عرفت كناحية جغرافية منذ أيام ملوك كِندة . وكانت ضرية في الجاهلية مورد ماء حيث يقول الشاعر:
دعوت الله إذ سغبت عيالي
ليجعل لي لدى وسط طعاما
فأعطـاني ضرية خير بئر
تثج الماء والحب التؤاما
وقد دخل الإسلام ضرية من بدايته في المدينة المنورة، حيث كان رسول الله صلى الله عليه وسلم حريصاً على أن يعتنق الناس جميعاً الإسلام ويتخلصون من الشرك وعبادة الأوثان، إذ أرسل إلى ضرية عدداً من السرايا كانت أولاها في السنة الثالثة من الهجرة بقيادة محمد بن مسلمة ، وفي شهر شعبان في السنة السابعة من الهجرة بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية أخرى بقيادة أبي بكر الصديق رضي الله عنه إلى بني كلاب في ضرية، كما بعث عليه الصلاة والسلام في شهر ربيع الأول من السنة التاسعة من الهجرة سرية ثالثة على القرطاء من بني كلاب بقيادة الضحاك بن سفيان الكلابي فدعاهم إلى الإسلام فأبوا فقاتلهم وهاجمهم ثم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم الضحاك بن سفيان الكلابي أن يكون والياً على من أسلم من قومه ويجمع صدقاتهم.وقد استجاب أهل ضرية لدعوة الإسلام، وأكثر ما اشتهرت ضرية بالحمى ( حمى ضرية ) ويعرف الحمى لغة : بأنه موضع فيه كلأ يحمى من الناس أن يرعى إلا من إبل بيت مال المسلمين، ويعتبر حمى ضرية من أكبر الأحمية وأشهرها ذكراً في المصادر المختلفة وأول من حمى الحمى بضرية هو عمر بن الخطاب رضي الله عنه لإبل الصدقة ، وحمى ضرية يعتبر مع بقية الأحمية مكان لرعي إبل الصدقة ( أي: لبيت مال المسلمين ) قال الأعرابي:
ألا تسألان الله أن يسقي الحِمَى
بلى فسقى الله الحمى والمطاليا
فإني لأستستقي لثنتين بالحمى
ولو تملكان البحر ما سقيتانيا
وأسأل من لاقيت: هل مطر الحمى
وهل يسألن أهل الحمى كيف حاليا
ومن تلك الأحمية حمى النقيع وحمى الربذة وحمى فيد وحمى ذي الشرى وحمى النير، وقد حمى عمر بن الخطاب رضي الله الربذة وضرية، وأول حِمى حُمِيَ في الإسلام هو حِمى النقيع حيث حماه الرسول صلى الله عليه وسلم، ويعتبر حمى ضرية من أغنى مناطق الرعوية وأخصبها و هو من أكبر الأحمية ووصفت بكثرة نباتها وعشبها وسهولة أرضها واستفادت الخيل والإبل، لذا كانت لحمى ضرية أهمية كبيرة في تنمية إبل الصدقة وإضافة الخيل والإبل المعدة للجهاد، وكذا حمى النقيع بالقرب من المدينة المنورة حيث ذكر بأن عدد الخيل التي ترعى به أربعون ألفا، وقد أصبحت ضرية فيما بعد إحدى محطات الحجاج فحفرت بها الآبار والبرك وأنشئت السدود والقنوات للسقيا وازدهرت خلال العصر العباسي الأول. وقد ذكرت ضرية (الحمى) في الشعر كثيراً مثل:
ومن كان لم يَغْرَض، فإني وناقتي
بنجدٍ إلى أرض الحمى غَرِضان
أليفا هوىً، مثلان في السِّرّ بيننا
ولكننا في الجهر مختلفان