محمد سليمان العنقري
العلاقات بين الدول التي تدوم هي المبنية على المصالح, وكلما تم تعزيزها زاد الترابط بينهم, وخلال الزيارة التاريخية التي قام بها الرئيس الصيني للمملكة عقدت ثلاث قمم معه, سعودية وخليجية وعربية في حدث لا تقوم به إلا دولة لها ثقلها الدولي, والسعودية هي الوحيدة بالشرق الأوسط التي استطاعت أن تعقد قمماً بهذا الحجم مع الأقطاب الكبرى بالعالم بهدف الانتقال بالعالم العربي والمنطقة عموماً لعصر جديد من التنمية والتطور, وفي ما يتعلق بالقمة بين المملكة والصين فقد توجت باتفاقية شراكة شاملة عززت المواءمة بين رؤية المملكة 2030 ومبادرة الحزام والطريق الصينية, فالشراكة التجارية بين الدولتين أصبحت كبيرة وتنمو بوتيرة قوية سنوياً, إذ تستحوذ المملكة على حوالي 26 بالمائة من حجم تجارة الصين مع العالم العربي التي تزيد عن 330 مليار دولار سنوياً, فالصين أكبر موردي النفط لها السعودية, وهي أكبر مورد للسوق السعودي للسلع والمنتجات, فكانت هذه النقلة بالشراكة في مرحلة مهمة لاقتصاد الدولتين خصوصاً المملكة بعد إطلاق رؤية 2030 وتنفيذ الثلث الأول منها والانتقال لمرحلة تنفيذ مشاريع عملاقة في الكثير من القطاعات الرئيسية والمستهدفة بالرؤية وتشغيلها.
فالمواءمة المستهدفة ستنعكس إيجاباً على اقتصاد المملكة حيث إن الشراكة مع الصين تستهدف قطاعات تصب في مستهدفات الرؤية كقطاع الطاقة المتجددة والصناعات التعدينية والنفطية والبتروكيماويات وكذلك التعاون في خطط المملكة المتعلقة بالمناخ كالتوجه للاقتصاد الدائري للكربون, بالإضافة لدعم توطين صناعة السيارات الكهربائية حيث سيقام مصنع لشركة صينية متخصصة بهذا النوع من السيارات, فالمملكة من أكبر منتجي البتروكيماويات بالعالم وكذلك لديها قطاع تعديني واسع وتريد أن تعظم القيمة المضافة بأن يكون لدينا مصانع لمنتج نهائي يرفع من حجم المحتوى المحلي ومن الصادرات غير النفطية بالإضافة للتعاون في الطاقة النووية للأغراض السلمية, وكذلك في مجال السياحة وزيادة حجم الرحلات بين الدولتين, فالصين أكبر مصدر للسياح بالعالم حالياً إذ يصل عدد الصينيين الذين يسافرون للسياحة دولياً قرابة الـ 150 مليون سنوياً, ولذلك يعد السائح الصيني محط اهتمام دولي, وبما أن المملكة تقوم بتطوير وبنهضة كبيرة في قطاع السياحة فمن المهم بناء علاقات مع دول مثل الصين لتكون مشاريع المملكة ومناطقها السياحية وجهة مفضلة للصينيين’ كما ستكون المملكة مقراً إقليمياً للمصنعين الصينيين بعد أن أنجزت الكثير من الأنظمة والتشريعات الداعمة لجذب المستثمرين للسوق السعودي, وأطلقت برامج مهمة كالخدمات اللوجستية وجودة الحياة, وبالطبع استراتيجية الصناعة ونظام الاستثمار التعديني وغيرها.
فاتفاقية الشراكة مع الصين كانت شاملة لقطاعات عديدة أيضاً في الصحة والثقافة والتعليم وأيضاً دعم الشراكة بين القطاع الخاص السعودي ونظيره الصيني, ومن بين الأنشطة التي غطتها هذه الاتفاقبات والعقود التوجه لبناء مئات الآلاف من الوحدات السكنية في المملكة, بما أن المستهدف بناء مابين 3 إلى 4 ملايين وحدة سكنية حتى العام 2030 فإن وجود الشركات الصينية المختصة بالتطوير العقاري والمقاولات يعد إضافة كبيرة ودعماً للمستهدفات الرئيسية للقطاع بالمملكة, حيث لديها خبرة واسعة في أكبر سوق للبناء بالعالم ألا وهو الصين، أما في المجال التقني والرقمي فالتوجه هو لشراكة عميقة فالمملكة تتوسع بالاقتصاد الرقمي والتوجه لاستخدامات الذكاء الاصطناعي بالإضافة لتوظيفها في مجال قطاع الطاقة بكافة أنواعها, فالاتجاه لأن تكون الشراكة مع الصين حسب البيان المشترك للقمة في مجال الطاقة واسعة لتمتد لبناء مشاريع بالمنطقة عموماً وزيادة نسبة المحتوى المحلي السعودي فيها وتوطين الخبرات والتقنيات.
الشراكة الاستراتيجية مع الصين هي من بين ما تستهدفه الرؤية بشراكاتها الدولية مع أكبر اقتصادات العالم لتعزيز قوة الاقتصاد السعودي وتحقيق أهداف الرؤية بنمو الصادرات غير النفطية وزيادة المحتوى المحلي وتنويع مصادر الدخل, وكذلك زيادة الطاقة الاستيعابية بالاقتصاد فالمواءمة مع مبادرة ضخمة كالحزام والطريق والتي تهدف لزيادة الاتصال الإقليمي والتوسع في خلق نهضة تنموية بالبنى التحتية والتجارة البينية في آسيا وإفريقيا وعدة مناطق أخرى بالعالم هو ما يتماشى مع أهداف رؤية المملكة ولذلك أطلقت المواءمة لتعظيم الفائدة للاقتصاد السعودي والانتقال به ليكون تنافسياً ومتنوعاً بالمنتجات والصادرات والدخل غير النفطي.