عبدالهادي ناصر العماج
هذا اليوم سوف تذكره الأجيال وسوف يُكتب عنه كثيراً تماماً كيوم 14 فبراير 1945 أو ما يُعرف بيوم كوينسي حين التقى الملك عبدالعزيز بالرئيس الأميركي فرانكلين روزفلت في قمة ثنائية على متن الباخرة يو إس إس كوينسي.
هذا اليوم يشبه تماماً ذلك اليوم في أحلامه وطموحاته وفي ظروفه وملابساته وسوف يشبهه أيضاً في تبعاته.
ذلك اليوم حين التقى الملك عبدالعزيز -رحمه الله- بروزفلت أثناء الحرب العالمية الثانية بعد طغيان وتجبر الأنظمة السياسية الأوروبية وسيطرت الأيدولوجيات المتضادة على أنظمة الحكم فيها حتى انتهى بها المطاف إلى حربٍ شعواء لم تبقي ولم تذر.
ذلك اليوم حين حلم المغفور له الملك عبدالعزيز في بناء دولة ذات سيادة مستقلة وإقليم آمن، واقتصاد مزدهر، يعيش شعبها الحياة المدنية بكرامة وإنسانية كما ينبغي بعد قرون من التهميش والتناحر والتخلّف وانعدام كل مقومات الحياة الإنسانية والمجتمعية. والتقت أحلامه -رحمه الله - بأحلام روزفلت في تدعيم ركائز صعود وهيمنة الحلم الأمريكي الديمقراطي ليصبح الرمز الأوحد للحرية والسلام في العالم.
في ذلك اليوم اجتمع الاثنان بحلمين مختلفين على متن باخرة في عرض البحر لإيجاد سبيل آخر غير الحرب، للسلام والبناء والازدهار.
في ذلك اليوم التقت إرادتان هما في أصلهما متضادتان ومختلفتان دينياً وعرقياً وأيدولوجياً ومنهجياً وسياسياً لخلق فرصة أفضل لعالم أجمل، وقد فعلا ذلك بكل جدارة.
ومنذ ذلك اليوم حتى اليوم قطف العالم ما قطفه من ثمرات هذا الاتفاق التاريخي وعانى ما عاناه بسبب تقاطع مصالح الكثير من الأنظمة السياسية مع تلك الفكرة.
اليوم يعيد الحفيد إحياء ذات الحلم بنفس الروحية التي كان عليها الجد دون إغفالٍ لأدق التفاصيل، مستفيداً من توجيهات خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز.
اليوم يثبت الحفيد أن الجد عندما اختار الغرب الأقصى في تلك المرحلة واكتفى بقمّة ثنائية كان يعرف تماماً ما يريد ولديه حلم لا بد من تحقيقه.
اليوم يثبت الحفيد أن هذه الدولة هي دولة أُسست وبُنيت على حلم شريف ونبيل وتتجه حيث لاح برق إحياء ذلك الحلم.
اليوم يحمل الحفيد راية الجدّ من أقصى الغرب إلى أقصى الشرق بلا باخرة أجنبية وليس في عرض البحر، بل في وسط صحراء الجزيرة العربية التي أسسها الملك عبدالعزيز وكأنه يقول للشرق القادم بعد الغرب المتخاذل، انظروا كيف نبني بتأن ونأيٍ بالنفس عن كل مهاترات وعنتريات وعن أي محاولات للاستقطاب السياسي لا تنتج إلا الفوضى والدمار، انظروا كيف أَمِنّا بما تصنعون وكيف نتزيَّن بما تنسجون، وكيف نعمل بما تعلمون، وها نحن نسير إلى الأمام وأنتم تتراجعون.
وكأن الحفيد اليوم يقول للشرق والغرب، بل للعالم أجمع نحن وطنٌ لديه حلم من يشاركنا ذلك الحلم شاركناه ومن يحاول إعاقتنا عن تحقيق حلمنا نبذناه.
اليوم يجلس سيدي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود ولي عهد المملكة العربية السعودية، رئيس مجلس الوزراء -حفظه الله - على متكأ عزٍّ وسؤدد ورخاء واستقرار تتجاذبه الدول وتخطب وده، وكذلك نعيش اليوم نحن شعب هذا الوطن المبارك في حالة أمن وازدهار ورفاه في ظلّ دولة مرجوّة ومهابة في عهد الملك سلمان - حفظه الله- وكل ذلك بفضل الله عزَّ وجلَّ ثم بفضل الجدّ الحالم على باخرة كوينسي، ولو واجه الجدّ من آبائنا وأجدادنا من لا يؤمن به وبحلمه أو من ينازعه الطاعة لإثارة الفتنة ونشر الفوضى لما عشنا اليوم ما نعيشه بفضل الله عزَّ وجلَّ.
وكذلك لن تجد لسنة الله تبديلا، والتاريخ سوف يعيد نفسه، والثمر يتكاثر والبركة تعمّ، وأرى اليوم أن الحفيد يحلم كما كان يحلم الجدّ، وأرى فيه اندفاعاً إلى مستقبل أكثر رخاءً واستقراراً وأمناً.
وأسأل الله أن لا يريه منا تخاذلاً أو تراخياً لما يثير الإحباط في نفسه، إن الدول لكي تبنى وتتقدم وتزدهر لا تحتاج سوى ركنين أساسيين:
قائد مخلص ولديه حلم.. وشعب مخلص يؤمن بذلك الحلم.