صدر العدد التاسع والعشرون - جمادى الأولى 1444هـ من دورية «جُسُوْر» التابعة لمركز الشيخ حمد الجاسر (رحمه الله)، وفي كل عدد تخصص الدورية شخصية ثقافية للاحتفاء، وفي هذا العدد تم الاحتفاء بشخصية مهمة ثقافياً وفكرياً على الساحة المحلية وذكرت دورية جُسُوْر في تقديمها له بأن:»جُسُوْر تحتفي في كل عدد بشخصية من رواد الفكر والثقافة، وقد جاءت شخصية هذا العدد من أبرز الرواد والباحثين في مجال الصحافة وسير الأعلام وهو الأستاذ محمد بن عبد الرزاق القشعمي، تقديراً لجهوده العملية وإسهاماته المتميزة، حيث إن له العديد من الأعمال التي لا يمكن أن تفيها حقَّها صفحاتٌ أو كتابٌ ولكن تسعى جُسُوْر إلى إبراز أهم جهوده الإعلامية والثقافية في هذه الصفحات، متضمنةً مقالات عنه إلى جانب نبذة موجزة عن سيرته العلمية. وقد اتسم القشعمي بوفائه للرّواد بمختلف أطيافهم فكتب عنهم وأبرز تاريخهم ومنجزاتهم العلمية وسرد مواقفهم، وجهودهم النبيلة في النهضة الثقافية خاصة في مجال الصحافة أولئك الذين امتلكنا بفضل جهودهم مدارس صحفية تسنّمت الريادة على مستوى الوطن والإقليم».
وتحدث عن القشعمي عدد من الرموز الثقافية والإعلامية، فقال عنه: د. عبد الرحمن الشبيلي - رحمه الله - في تقديمه لكتاب نماذج من صحافة أبناء الجزيرة العربية: «باحثُ متمكّن»، وذكر عنه د. عبد العزيز بن سلمه: «القشعمي عاشق البحث والتوثيق»، وقال عنه حمد القاضي أمين عام مجلس أمناء مؤسسة حمد الجاسر الثقافية: «محمد القشعمي باحث وهب نضارة عمره لخدمة تاريخنا الأدبي والإعلامي»، وقال فيه د. إبراهيم بن عبد الرحمن التركي: «إنه ذاكرتنا الثقافية الوفية»، وذكر د. عبد العزيز السبيل: «القشعمي شخصية ثقافية نادرة»، وذكر د. محمد العوين: «القشعمي.. صديق الجميع»، وذكر عنه د. جاسر الحربش: «محمد القشعمي راصد الحراك الوطني لوجه الله»، وذكر د. عدنان العوامي: «محمد عبد الرزاق القشعمي جسر الثقافة العربي»، وذكر عنه أ. معن الجاسر: «الكاتب الوفي لرواد الثقافة»، وذكر عنه د. عبد الله العريني: «أبو يعرب.. ذاكرة الوطن»، وذكر عنه د. عبد الواحد الحميد: «القشعمي.. رجلٌ وهب نفسه للبحث والتوثيق».
ولقد كانت بداية معرفتي بالأستاذ محمد بن عبد الرزاق القشعمي قبل ما يقارب تسع سنوات، حيث وقع اختياري لأطروحة الماجستير عن «الصحافة السعودية بعهد الملك سعود بن عبد العزيز 1373هـ - 1384هـ الموافق 1953م - 1964م»، وقد بذل كل ما بوسعه لمساعدتي في إنجاز هذه الأطروحة، ومما يدل على أنه يدعم ويشجع كل من يسهم في تاريخ الصحافة، فقد أهداني جميع كتبه التي تدور حول موضوع الرسالة.
ومن المواقف التي لا تنسى, أثناء إعداد رسالتي وتعطي دلالة على حرصه وتشجيعه لكل باحث في تاريخ الصحافة السعودية، أنه أشكل علي تاريخ وفاة الصَّحَفِيّ أ. عبد العزيز بن مؤمنة رائد ورئيس صحيفة الأسبوع التجاري السعودية ومن خلال بحثي عن الموضوع لم أعثر على أي معلومة تدل على تاريخ وفاته مما جعلني غير مستيقنة إن كان على قيد الحياة أم لا, فتواصلت مع الأستاذ القشعمي لسؤاله عن هذه المعلومة بحكم خبرته فأيد أنه لازال على قيد الحياة، لكنه لا يعرف عنه أين مكان تواجده الآن وبحث معي عن ذلك حتى تم التواصل مع ابنه أ. سامي بن عبد العزيز بن مؤمنة حيث ذكر لي: « أن والده يعيش في العقد التاسع من عمره، وأنه بصحة جيدة...»، وكان ذلك قبل وفاته يوم الخميس تاريخ 30رجب 1443هـ الموافق الثالث من مارس 2022م - رحمه الله وغفر له -.
والأستاذ القشعمي من أبرز الباحثين ذوي الصبر والجلد، والقدرة المتميزة على إخراج كنوز أدبية هامة جدًا من تاريخ الصحف والمجلات السعودية، كادت أن تطويها عجلة النسيان، وتمكن بفضل الله ثم بجهده الكبير من تأليف ما يربو على خمسة وأربعين كتاباً تركز على التاريخ المحلي للصحافة والأدب والثقافة في مختلف مناطق المملكة وخارجها.
ويعتبر - حفظه الله - باحثاً قديراً وأحد أبرز من أثروا وأعطوا بميادين المعرفة والبحث والتوثيق سواء حين كان مسؤولاً بمكتبة الملك فهد أو باحثاً ومُنقِّبا بين أوراق التاريخ، وموثقاً لعطاءات الروَّاد الراحلين والباقين والذين أغنوا مكتباتنا السعودية بالمقالات والأبحاث،وساهم في توثيق وكتابة تاريخنا الإعلامي السعودي وخاصة التاريخ الصحفي.
كان الأستاذ القشعمي عاشقاً للبحث والتوثيق، ولازال يسهم، وبجلد ومثابرة يثيران الإعجاب بإنتاج متواصل، ومتنوع مع ولع واضح بصحافة المملكة في بداياتها، ومرحلتها الوسيطة، وبالشخصيات التي أسهمت فيها، وبحياة الأعلام ممن عرف واشتهر أو ممن يستحق أن يُعرف نظير أعماله وإسهاماته النافعة في مجالات العلم والمعرفة والثقافة، ولم يحصل على حقه من الرعاية والتكريم ولم يكن باحثاً يوماً عن الأضواء ولو أراد لوسعه ذلك.
مما سبق يتضح لنا أن أ. محمد القشعمي رجل فاضل محب للعلم والبحث، ولا يبخل بأي مساعدة يحتاجها باحث كان من كان عند اللجوء له، ومن الردود التي أتذكرها في هذه الحادثة أنني قلت له: «غلبتك معي المعذرة على إزعاجك أستاذي الفاضل»، فرد عليّ قائلاً: «لا عليك أستاذة نوال فالمعلومة تهمني أيضاً، ونحن نبحث في نفس المجال».
وعند تحديد موعد مناقشتي لرسالة الماجستير كان أ. القشعمي من أوائل المدعوين لحضورها، ورحب بالدعوة وفرح وقتها، بل ونشرها في أوساط المجتمع الصحفي السعودي، وحضر مناقشتي رغم إنشغاله ووضعه الصحي فكان ممن شرفني حضورهم لمناقشتي - حفظه الله - وبعد المناقشة تلقيت عدداً من التهاني من الصحفيين السعوديين، لم أتواصل مع أحدٍ منهم من قبل, وهذا يدل على شعبيته - رعاه الله - وما أضفاه حضوره على مناقشتي من دعم، فجزاه الله عني خير الجزاء، وأسأل الله أن يمده بالصحة والعافية وأن يطيل بعمره (أبا يعرب) مؤرخ تاريخ الصحافة السعودية.
وفي الختام أتقدم بالشكر الجزيل لمركز حمد الجاسر الثقافي على إصدار هذا العدد الخاص لأستاذنا القدير الصَّحَفِيّ المؤرخ محمد بن عبد الرزاق القشعمي، فهو من أهم رواد تاريخ الصحافة السعودية، ويستحق من وجهة نظري إلى تدوين مسيرته العلمية والعملية، ومسيرته الحياتية مع الصحفيين السعوديين في كتاب وليس عدد فقط، تخليداً لذكراه وحفظها، وتقديراً لجهوده الكتابية والتأليفية في تاريخ الصحافة السعودية.
** **
- نوال بنت إبراهيم القحطاني