عبده الأسمري
كتب حروف «القصة» من ظروف «الغصة» المحتجزة في داخله محولاً «امتعاض» الذات إلى «أغراض» شعر هرب بها من «سطوة» الأزمات إلى «حظوة» الرضا.. مولياً قبلته «قبالة» الحنين موجها بوصلته نحو «الأنين» في ظل ماض «مؤلم» وحاضر «قاس».
كان «جارا» «باراً» لكتبه مستجيراً لقصصه من جور «الظروف» واضعا «جيرة» الذات «خيرة» وحيدة استظل بها في «هجير» العمر و»قهر» العوائق».
إنه القاص والشاعر والكاتب الراحل جار الله الحميد رحمه الله أحد أبرز الأدباء والمثقفين بالسعودية
بوجه حائلي «شمالي» الملامح «عالي» المطامح مع تقاسيم مألوفة وكاريزما تعتمر «اللوعة» مع شخصية «بدوية» تتشابه مع والده وعينان جاحظتان تلمعان بترقب من خلف «نظارة» عتيقة مع شارب كثيف تتوسطه شعيرات بيضاء وأناقة «قروية» تعتمر تشكيلة شماغ مثبت بعقال «مائل» يعكس عمق الإرث الصحراوي وصوت جهوري تملؤه عبرات «الآلام» وتسكنه اعتبارات «الإلهام» ومفردات عميقة تكاد ترى بالعين مضى الحميد من عمره سنينا وهو يملأ دروب التنافس بالجولات والبطولات في قالب «أدبي» فاخر وكأنه يعزف على «أوتار» من صناعته ويشدو بألحان من كلماته في هيئة «أديب» لبيب صنع الفارق في منظومة «القصة» ووضع «الفرق» في نظم الشعر.
في حائل ولد وسط «أسرة» فقيرة فتفتحت عيناه على «أب بسيط» و»أم حنونة» تشاركا في إنبات «الدخل» على أرضية من «الفقر» نشأ وفي قلبه «ضمير» المتألم وكبر في وجدانه «مصير» المتأقلم.. كان يراقب والده وهو يعود ليلا «بغلة» المساء من بيع الخضار والفاكهة مرتهنا إلى «أبيات شعرية» كان يسترق إليها السمع من مذياع والده لاهثاً خلف الكتب التي كان يجمعها من مدرسته وقصاصات صحف كان يزين بها حجرته «الصغيرة».
ركض بين جبال أجا وسلمى في «صعلكة» «بريئة» جعلته أنيس القرية ومؤنس الرفقة متجرعا «مرارة» «العيش» متلحفا «قرارة» التعايش في منزل كان المرض والعوز يحاصر أركانه فكبر محاميا عن الفقراء مدافعا عن المساكين متسلحا بحجج «العدم» مبرهنا بدلائل «الفاقة».
تجرع اليتم باكراً بعد وفاة والده أمام عينيه في «حوش» منزلهم الذي اختاره ليكون «معزله الأخير» بعيداً عن «تسويفات» المستشفيات و»مواعيد» الأطباء ليجول الحميد بعدها في صحراء بلا حدود معلنا «النسيان» بشأن المعطيات و»السلوان» أمام البلاءات فمضى بكل «إقدام» على أقدامه ليكتب «رائحة» المدن من أوساط «المكلومين» و»المعدمين على لوح «بدائي» لآلة كاتبة استعارها من «صهره» وسار بدراجته «الصغيرة» مراهقاً يلاحق بعد «نظره» بعد أن ترك «مقاعد» الدراسة ليتسلق «مصاعد» الكتابة. كبر وباع «منزله» الصغير ذات يوم هربا من «الضوضاء» إلى «الفضاء» بحثاً عن طقوس «المعرفة»..
بدأ الحميد مسيرته القصصية عام 1977م وأقام عدة أمسيات شعرية وأدبية في حائل والأحساء والقصيم وامتهن الكتابة في عدة صحف سعودية وخليجية
صدرت له مجموعات قصصية وهي أحزان عشبة برية (1980)، و»وجوه كثيرة أولها مريم « عام (1984)، و»رائحة المدن» عام 1998 و»ظلال رجال هاربين» عام (2000)، وكتاب الأعمال الكاملة عام (2010)، واستعان به نادي حائل الأدبي كمستشار ثقافي.
عانى «الحميد» من نكران «اجتماعي» وتنكر «ثقافي» جعله «أسير» الوحدة «عسير» المزاج.. وجه نداءه ليظفر بلمسة «وفاء» وهمسة «استيفاء» كمثقف ملأ «فراغات» البدايات الأبية وأديب أنتظر «جوائز» النهايات الأدبية..
سكن «الموت» نصوصه واستعمر «المرض» جسده فساءت حالته الصحية وبقى «رهينا» لكرسي متحرك لازمه طويلاً وعاندته «الحظوظ» وخذلته «التوقعات «فلجأ إلى حيلته الوحيدة في «مناشدة» وزير الثقافة الذي بادر بيده «البيضاء» وكفه «المعطاء» وسط «حيرة مخجلة» من غياب «رفقاء الدرب» وصمت «أصدقاء الحرف» وتقصير «زملاء المرحلة «وتخاذل «منصات الخير»
بعد عقود من الركض في ميادين «الأدب» و»دروب» الثقافة جاور «الحميد» الاغتراب وحاور الغرابة في «حتمية» قدرية عنوانها «العزلة» وتفاصيلها «الاعتزال «حابسا في خاطره «دهشة» التخاذل ساجنا في مخيلته «صدمة» الخذلان.
انتقل جار الله الحميد إلى رحمة الله يوم الخميس 6 محرم 1444هـ الموافق 4 أغسطس عام 2022م عن عمر ناهز 68 عاماً بعد معاناة مع المرض.
وقد نعته «الأوساط» الثقافية و»الوسائط» الأدبية وعزى فيه رفاق «الدرب» الذين حاولوا سد «فراغات» النسيان السابق بشيء من «العرفان» اللاحق
جار الله الحميد.. الأديب والقاص الذي حجز مكانه في «قوائم» المبدعين وابقى مكانته في «مقامات» المؤثرين.