د. فهد بن عبدالله الخلف
كتاب (الحكاية الشعبية السعودية المكتوبة بالفصحى: دراسة في المتعاليات النصية) للدكتورة منال بنت سالم القثامي (1)، كتاب يمكن تصنيفه في حقل معرفي بيني هو الفلكلور، والنقد الأدبي.
وموضوع الكتاب هو: الأدب الشعبي المدون باللغة العربية الفصيحة بمقاربة المتعاليات النصية، صدر عن النادي الأدبي الثقافي في الحدود الشمالية بالشراكة مع مؤسسة الانتشار العربي عام 1443هـ/ 2021م، بمدينة عرعر في المملكة العربية السعودية، في طبعته الأولى، والكتاب من القطع المتوسط، يبلغ عدد صفحاته خمسًا وأربعين وثلاثمئة صفحة.
والسبب في تأليف هذا الكتاب يكمن «في جدته، فلم نجد دراسة مخصوصة بالمتعاليات النصية في الحكاية الشعبية السعودية، فضلًا عن قلة الدراسات التي حظيت فيها الحكاية الشعبية السعودية بالتحليل النقدي أو التشريح النصي الذي نجده في أجناس أدبية أخرى مثل: الرواية والقصة والشعر» (2).
وتعزو المؤلفة إهمال الدارسين لدراسة الحكايات الشعبية السعودية «إلى النظرة الدونية إلى هذا النوع من الأدب الذي لم يسلك مسلك العبارة النموذجية الفصيحة فضلًا عن كونه مجهول المؤلف» (3).
وينقسم هذا الكتاب إلى مقدمة، وتمهيد، وأربعة فصول، والفصل الأول خصص للتناص في الحكاية الشعبية السعودية، ويندرج تحته مبحثان هما: الأول مستويات التناص في الحكاية الشعبية السعودية، والثاني مصادر التناص في الحكاية الشعبية السعودية، والفصل الثاني عنوانه النصية المتوازية في الحكاية الشعبية السعودية، ويتضمن أربعة مباحث هي: الأول عتبة الغلاف، والثاني عتبة العنوان، والثالث عتبة الإهداء والاستهلال، والرابع الهوامش والحواشي، والفصل الثالث عنوانه النصية اللاحقة في الحكاية الشعبية السعودية، وتحته مبحثان، هما: الأول التحويل والثاني المحاكاة، والفصل الرابع عنوانه النصية الجامعة في الحكاية الشعبية السعودية، ويتضمن مبحثين، هما الأول الخطاب الشعري في الحكاية الشعبية السعودية، والثاني الأجناس السردية الأخرى في الحكاية الشعبية السعودية، ثم خاتمة البحث، وثبت المصادر والمراجع.
والكتاب يتناول موضوعًا واحدًا عارضًا لأهم تفريعاته وجزئياته وما يتعلق به من قضايا، وهذا الموضوع هو الحكاية الشعبية السعودية المكتوبة باللغة العربية الفصيحة بمقاربة المتعاليات النصية.
ويتميز هذا الكتاب بجدة معالجة الموضوع من وجهة نظر المتعاليات النصية، وفيه رصد معرفي متراكم له جذوره المعرفية في التراث من حيث التأصيل للحكاية الشعبية، وفيه جانب إجرائي اعتمد ثلاث عشرة مدونةً حول الحكايات الشعبية؛ وذلك لشمولية الرصد والاستقراء الدقيق.
والكتاب ذو صلة وثيقة في ميدانه العلمي فقد نجحت المؤلفة في الإجابة عن تساؤلات البحث، وتحقيق أهدافه التي وعدت بها في مقدمة البحث.
وانتهجت الباحثة نهجًا علميًا دقيقًا يتجلى في أمور منها: الأول: فهمها لنصوص مدوناتها فهمًا دقيقًا، الثاني: عدم تحيزها لمراجع محددة بلا مسوغ علمي، فليست تفضل قديمًا لقدمه، ولا حديثًا لحداثته، وإنما تُفيد مما ينفعها في إجادة بحثها، الثالث: الوصول إلى نتائج مقبولة منهجيًا مراعية بناءها على أسس منهجية سليمة، الرابع: دقة نقل النصوص، وترتيبها ترتيبًا تأريخيًا، الخامس: استعانتها بالبرهنة على ما تذهب إليه من آراء بالحجج والشواهد، السادس: تجنب الجزم في البحث العلمي، وتجنب نقل الآراء دون تعليق، وتجنب اجتزاء الآراء المنقولة من سياقها، وتجنب تقديم آراء الباحثين على الاستناد إلى الأدلة العلمية، السابع: توظيف الحواشي؛ لإضاءة ما يحتاج إلى توضيح من قضايا الكتاب، وهذا جنب المؤلفة الاستطراد في متن الكتاب، ويتضح ذلك مثلًا في ترجمة أصحاب المدونات التي اعتمدتها الدراسة، الثامن: تميز المعالجة البحثية بالشمول لجميع عناصر المتعاليات النصية، وما يتشابك معها من قضايا علمية ذات صلة بالموضوع المدروس، التاسع: مزاوجة الباحثة في كتابها بين الاتباع لمن سبقها من المؤلفين في بعض جوانب بحثها، والابتداع في معالجة جوانب لم يُعنَ بها من سبقها من الدارسين في المجال ذاته، ويمكن رصد بعض جوانب الأصالة البحثية عند الباحثة بالرجوع إلى نتائج البحث في الخاتمة مثل تفسير الباحثة لغياب علاقة المعارضة من العلاقات النصية بقولها: «وربما كان السبب في ذلك طبيعة النص الشعبي باعتباره نتاج العقل الجمعي، وليس نتاجًا فرديًا» (4)، العاشر: انتهاء البحث إلى أن علاقة المحاكاة في الحكاية الشعبية السعودية قد تنوعت في «محاكاتها لقصص الحب التراثية، وحكايات الحيوان في كليلة ودمنة، وبنية حكايات ألف ليلة وليلة، والمقامات العربية، ومحاكاتها لأسطورة إغريقية، وحكاية عالمية، ومثل عربي. وبرزت في المدونة تقنية المحاكاة الساخرة من خلال تحريف التراثي فاستطاع المتخيل الشعبي المنشئ للحكاية الشعبية السعودية التي لها أبعادها وتجلياتها النصية أن يخالف رؤية الثقافة العالمة حول شخصيات تراثية تاريخية» (5)، الحادي عشر: استفادة الباحثة من مصادرها، ومراجعها الاستفادة المثلى التي ظهرت بدقة الاقتباسات، وتوظيفها في دعم المتانة البحثية العلمية والمنهجية.
وقد تنوعت المصادر والمراجع بين كتب عربية وكتب مترجمة حديثة وتراثية وبين مقالات منشورة في مجلات علمية محكمة، وبين رسائل علمية، وبين مواقع على الشبكة العنكبوتية.
وفيما يتعلق بلغة المؤلفة في بحثها التي تميزت بالوضوح، ودقة التعبير عن الأفكار العلمية، وقد خلت من الطول المفرط في صياغة الجمل، وهذا ساعد على تجنب الترهل والحشو في لغة الكتاب، وقد كانت المؤلفة واعية بحدود استعمال مصطلحات الدراسة في شقيها المرتبط بالحكاية الشعبية السعودية، والمرتبط بمقاربة المتعاليات النصية.
ولا يخلو جهد بشري من شيء من الملحوظات اليسيرة التي لا تخل في جوهر البحث ومنهجه، وهذه الملحوظات في الغالب اجتهاد شخصي من كاتب هذه السطور قابل للنظر والمناقشة، والخطأ والصواب، ومن أبرز ما يُلحَظ ما يأتي:
الملحوظة الأولى: إقحام (أن) في هذا النص «ولعل سبب صدود أغلب الدارسين عن الحكاية الشعبية السعودية أن يعود إلى النظرة الدونية»(6)، وفي هذا النص أيضًا «ولعل السبب في ذلك أن تعود(7) إلى تداخل الأنماط الحكائية»(8).
الملحوظة الثانية: لم تذكر الباحثة مسوغًا علميًا لاختيار الترجمة لمصطلح (التعالي النصي) إذ قالت: «وقد اعتمدنا على الترجمة التي وردت في كتاب مدخل إلى جامع النص في قوله: لا يهمني النص حاليًا إلا من حيث تعاليه النصي أي: أن أعرف كل ما يجعله في علاقة خفية أو جلية مع غيره من النصوص. هذا ما أطلق عليه التعالي النصي، وكذلك ترجمة سعيد يقطين في كتابه انفتاح النص الروائي: النص والسياق، وترجمة محمد خير البقاعي في كتاب آفاق التناصية: المفهوم والمنظور للصفحات الأولى من كتاب جيرار جونات الموسوم بطروس»(9).
الملحوظة الثالثة: في المبحث الأول في التمهيد (المفاهيم النظرية للمتعاليات النصية) وضعت المؤلفة عنوان المتعاليات النصية، وتحت هذا العنوان عرفت بمصطلح التناص، وكان الأولى أن تعرف بالمصطلح الظاهر في العنوان وهو: (المتعاليات النصية)؛ لأنها اختارت هذا الاصطلاح دون غيره(10).
الملحوظة الرابعة: قالت المؤلفة: «ويتجسد في ثلاثة أشكال أكثرها وضوحًا الاقتباس حيث يوضع بين قوسين مع الإحالة أو عدم الإحالة إلى مرجع محدد»(11) الذي يبدو لي أن الاقتباس الحرفي يُوضَع بين علامتي تنصيص «...» وليس بين قوسين (...) وهل الاقتباس هنا يشابه الاقتباس العلمي في علامة الترقيم التنصيص «...»؟
الملحوظة الخامسة: في مطلب الحكاية الشعبية يبدو لي أن مصطلح (الأدب الشعبي)(12) يحتاج إلى شيء من التحرير فالأدب الشعبي من حيث اللغة قد يُطلَق على ما كتب باللهجات الدارجة، وقد يطلق على النصوص الأدبية الذائعة الانتشار، وإن كانت مكتوبة باللغة العربية الفصيحة أو بمستوى من مستوياتها، وبهذا الإطلاق ألف شوقي ضيف كتابه (الشعر وطوابعه الشعبية على مر العصور)، وقد اهتمت المؤلفة بالتحديد الفلكلوري، وهو: «أن يتصف هذا الشيء بالانتشار أولًا وبالخلود ثانيًا داخل إطار مكاني وزماني»(13)، ولعل من التحديدات المهمة لمصطلح (شعبي) من حيث علم الفلكلور هو جهالة المؤلف للحكاية الشعبية سواءٌ أكان فردًا أم جماعة.
الملحوظة السادسة: دلالة (الحكي) في معجم لسان العرب توجد في الجذر اللغوي (ح/ك/ي)، وليس في (ح/ك/ى) كما جاء في الحاشية الأولى(14).
الملحوظة السابعة: ذكر المقابل للمصطلح العربي باللغة الفرنسية، ومعلوم أن اللغة البحثية الثانية في جامعات المملكة العربية السعودية هي الإنجليزية، فلو وضعت المؤلفة المقابل المصطلحي باللغة الإنجليزية لكان أولى.
وفي الختام، فإننا نلمس الجهد الرصين المبذول في هذا الكتاب الذي جمع بين الدراسة الفلكلورية المنضوية تحت علم الإنثروبولوجيا الثقافية في جانب (الحكاية الشعبية السعودية المكتوبة بالفصحى)، وبين مقاربة (المتعاليات النصية) التي تنتمي إلى النقد الأدبي الحديث، وهذا الكتاب يحتل منزلةً مهمة جدًا في دراسته التراث الشعبي السعودي بمقاربة علمية تبين مرجعياته وأصوله وتغذية النصوص عبر العصور التأريخية، وما طرأ على هذا التراث الشعبي من تغيُرات في أصوله بأثرٍ من صيرورة التأريخ، وتبدل الأمكنة والأزمنة.
الحواشي:
(1) القثامي، منال: الحكاية الشعبية السعودية المكتوبة بالفصحى دراسة في المتعاليات النصية، مؤسسة الانتشار العربي/ النادي الأدبي الثقافي بالحدود الشمالية، عرعر، المملكة العربية السعودية، الطبعة الأولى، 2021م.
(2) القثامي، منال: الحكاية الشعبية السعودية المكتوبة بالفصحى، ص10.
(3) القثامي، منال: الحكاية الشعبية السعودية المكتوبة بالفصحى، ص8.
(4) القثامي، منال: الحكاية الشعبية السعودية المكتوبة بالفصحى، ص314.
(5) القثامي، منال: الحكاية الشعبية السعودية المكتوبة بالفصحى، ص315.
(6) القثامي، منال: الحكاية الشعبية السعودية المكتوبة بالفصحى، ص8.
(7) يبدو لي أن صواب العبارة (لعل السبب في ذلك يعود...) بياء المضارعة، وليس بتائها.
(8) القثامي، منال: الحكاية الشعبية السعودية المكتوبة بالفصحى، ص26.
(9) القثامي، منال: الحكاية الشعبية السعودية المكتوبة بالفصحى، ص9.
(10) انظر القثامي، منال: الحكاية الشعبية السعودية المكتوبة بالفصحى، ص15.
(11) القثامي، منال: الحكاية الشعبية السعودية المكتوبة بالفصحى، ص18.
(12) انظر القثامي، منال: الحكاية الشعبية السعودية المكتوبة بالفصحى، ص21.
(13) القثامي، منال: الحكاية الشعبية السعودية المكتوبة بالفصحى، ص23.
(14) انظر القثامي، منال: الحكاية الشعبية السعودية المكتوبة بالفصحى، ص22.