د.محمد بن عبدالرحمن البشر
قبل أيام بلغ عدد سكان العالم ثمانية مليارات نسمة، والعدد ينطلق إلى الأمام، ومن المحتمل أن يستمر في الزيادة حتى يصل إلى أكثر من عشرة مليارات في عام ألفين وثمانين، ولاشك أن معظم تلك الزيادة ستكون متحققة من آسيا وإفريقيا، وبهذا سوف تزيد كثافة السكان في المتر المربع الواحد بهذه الدول، لاسيما المكتظة بالسكان في الوقت الحاضر، مثل الهند، وبنغلاديش، وغيرها، وهي في ذاتها تعاني من نسبة زيادة عدد السكان المرتفعة.
عندما يزيد عدد السكان ويكون الحكم غير رشيد بما يكفي، وتكون ثقافة الإنتاج محدودة جداً، فإن أي زيادة في عدد السكان يعني أن هذا الوافد الجديد سيشارك السكان الموجودين في معيشتهم من مأكل ومشرب وخدمات وغيرها، ولهذا فإن الطبقة الوسطى سوف تنحصر، وسوف تزيد الطبقة الفقيرة بدرجة عالية مما يشكل صراعاً دائماً وقاسياً في تلك الدول، وهذا ما نراه حالياً في بعض الدول قليلة الإنتاج والفقيرة والتي، لم تسمح لها ظروفها للانطلاق إلى الأمام، لتتمكن من توفير قوتها ومشربها وما تحتاجه من خدمات لابد منها.
والصراع على لقمة العيش قديم قدم التاريخ، وليس بالضرورة أن يكون البحث عن ما يحتاجه الإنسان هو الدافع إلى ذلك الصراع، وإنما أحياناً يكون هناك تفاوت في قدرة الإنسان وكفاءته على الإنتاج، ومن ثم الحصول على سبب من أسباب الرزق، أكثر مما يستطيعه الآخرون مما يؤدي إلى محاولة الآخر انتزاع جزء مما في أيدي الأغنياء لمشاركتهم فيما لم يكونوا قادرين على نيله. وهناك شواهد تاريخية كثيرة في هذا المضمار، مع أن سبل العيش متاحة للجميع لقلة عدد السكان.
لنأخذ مثلاً الصعاليك الذين عاشوا في العصر الجاهلي وهم مجموعة فقيرة لا تملك المال الذي يساعد على العيش المحدود الذي يلهثون خلفه بطرق غير سليمة، وهم مجموعة من المنبوذين من القبيلة، أو الفقراء الذين لم يستطيعوا الحصول على قوت يومهم، وقد تمردوا على قبائلهم فكونوا مجموعة خاصة بهم، وفي معظم الأحوال فإنهم يقومون بالغزو ونهب ما يستطيعون نهبه ثم يتقاسمونه بينهم، وأحياناً يمنحون جزءاً منه إلى من يحتاج من فقراء أولئك القوم الذين نهبوهم، لأن الغنى وجمع المال ليس غايتهم، وإنما ما يكفي للبقاء فحسب، وهم شجعان سريعو العدو، ومنهم شعراء مميزون مثل الشنفري، والسليك بن السلكة، وعروة بن الورد ، وتأبط شراً وغيرهم كثير، يقول أحدهم، وهو أبو النشناش النهشلي:
إِذِا المَرءُ لَم يَسرَح سَوامًا وَلَم يُرِح
سَوامًا وَلَم يَبسُط لَهُ الوَجهَ صاحِبُه
فَلَلمَوتُ خَيرٌ لِلفَتى مِن حَياتِه
فَقيرًا وِمَن مَولىً تَدِبُّ عَقارِبُه
ويقول أحدهم، وهو أبو خراش الهذلي:
أُديمُ مِطَالَ الجُوعِ حتّى أُمِيتَهُ
وأضْرِبُ عَنْهُ الذِّكْرَ صَفْحاً فأُذْهَلُ
وَأَسْتَفُّ تُرْبَ الأرْضِ كَيْلا يُرَى لَهُ
عَلَيَّ مِنَ الطَّوْلِ امْرُؤٌ مُتَطَوِّلُ
وشعرهم كله ملئ بالصبر على الجوع والحاجة، والأنفة وعزة النفس. وهناك أقوام آخرون عبر التاريخ، ورغم قلة عدد السكان في ذلك الوقت، امتهنوا قطع الطريق والغزو والسلب، وكانت أرض الله واسعة يمكنهم الاستفادة منها دون قيود، لكنهم لم يفعلوا، واختاروا بثقافتهم الموروثة أن يحصلوا على حاجتهم بطريقة أشد خطراً، وأقبح فعلاً، من خلال النهب، كما فعل أو استئجارهم في القتال، فقد قال أحدهم في إحدى غاراتهم على قافلة بقرب إحدى المدن، بعد أن رأى رجلاً عليه ثوبان:
عليك ثوبان وأمي عاريه
فالق ثوبك عنك يابن......
عندما يزيد عدد السكان في إفريقيا، وآسيا، وأمريكا اللاتينية، مع وجود الفاقة في تلك القارات، فإن موجات بشرية من بعض الدول في تلك القارات، سوف تحاول الهجرة إلى الشمال، قاصدة الولايات المتحدة الأمريكية، وأوروبا، وأيضاً استراليا في الجنوب، لكن تلك الدول المتقدمة سوف تسن كثيراً من القوانين، وستتخذ إجراءات للحد من الهجرة أكثر صرامة مما هو قائم الآن، وفي نفس الوقت فإن تلك الدول تحتاج إلى كفاءات عالية لأن نسبة الشيخوخة لديها كبيرة بسبب قلة النمو السكاني، ولهذا فهي تريد أن تستقطب الأيدي الفنية المميزة والمفيدة حتى تكون أداة للمساهمة في النمو الاقتصادي والاستقرار لديها، لكن هذه الأيدي الفاعلة والمميزة في تلك الدول الفقيرة عندما تستقطب من دول أخرى، فإن دولها تفقد مورداً بشرياً منتجاً مميزاً، لينتفع به الغير، بينما تبقى الموارد البشرية الأقل إنتاجية في تلك البلدان.
ويمكن للدول الغنية أن تعمل برنامجاً على غرار برنامج مارشال للنهوض بالدول الفقيرة، والدفع بها إلى الأمام، فتتقي موجات الهجرة غير المنظمة، كما تعمل على سيادة العدالة الإنسانية مما يساعد على الاستقرار والأمن الدولي، لكن الدول الغنية تخشى أن تقدم الدول الفقيرة قد يجعلها منافسة لها، فتفقد سيطرتها الاقتصادية والسياسية، التي تنعم بها منذ عشرات السنين.