أ.د.عثمان بن صالح العامر
الاثنين الماضي كان اليوم العالمي للتطوع، ومن وحي الاحتفالات والكلمات والمبادرات الوطنية في هذا المجال الرسمية والمجتمعية يطرح الإنسان على نفسه سؤالا رئيسا: ترى ما الفوائد والثمرات والنتائج التي سأحصل عليها من انتظامي في سلك المتطوعين؟ خاصة إذا كان من أصحاب المعايير المادية الذين يقيسون كل عمل يقومون به بما يحصلون عليه من مال (كم يبي يدخل جيبي) ظناً منه أن المال هو كل شيء في الحياة، والسبب الرئيس والوحيد لنيل السعادة الدنيوية.
ومع أن الفوائد جراء العمل التطوعي قلبية شعورية، ذات بعد ذاتي صرف، يتراقص القلب بها فرحاً وطرباً، وتحقق السعادة الشخصية لصاحبها، إلا أنني يمكن أن أسوق شيئا من الثمرات التي يجنيها المتطوع، بعضها له علاقة بالبركة التي هي منة من الله وفضل يضعها سبحانه وتعالى في المال والوقت والجهد والولد، ويقذف في قلب المتطوع الرأفة والرحمة والرقة والمحبة، فيصبح المتطوع مرهف الإحساس لكل وجع بشري بل وحتى حيواني، دقيق الملاحظة لمواطن العطاء، وفي ذات الوقت تنزع من شخصيته الفردية والأنانية وحب الذات - أمراض العصر جراء الرأسمالية المادية الغازية - فيضحي اجتماعياً في طبعه، معطاء في نفسه وماله ووقته بل مشركاً معه في أعماله التطوعية أهله وولده، كريماً في سجاياه، سخياً جواداً وفيا.
إن من نزل إلى ميادين التطوع في بلادنا المباركة المملكة العربية السعودية وجد راحة نفسية ربانية، ودعوات المستفيدين تلازمه، ونفحات الرحمن وبركاته تهب إليه أينما كان وحيثما اتجه، ولا عجب فالتطوع فضلا عن كونه عملا إنسانيا راقيا يشترك فيه جميع البشر فهو أمر رباني ثابت في الكتاب والسنة، وأول المتطوعين وقدوتهم والأنموذج الأمثل أمامهم رسول الله الخاتم محمد بن عبد الله عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم. ومن هذا الباب وعلى هذا الأساس أولت حكومة بلادنا المملكة العربية السعودية مهد الإسلام ومهبط الوحي وبلاد الحرمين الشريفين جل اهتمامها بالعمل التطوعي نظاماً تنظيما، مسألة ومحاسبة، أتمتة وحوكمة، عزز ذلك وقواه ماجاء في رؤية المملكة 2030 من تحديد للسقف المطلوب لعدد المتطوعين بمليون متطوع ومتطوعة في ميادين الحياة المختلفة.
إننا في بلد الخير والنماء، وحقه على كل منا لديه الوقت ويستطيع بذل الجهد أن يجد له قدم صدق ضمن منظومة المليون متطوع كل في مجاله الذي يحسنه وفي إطار منطقته التي يسكنها على الأقل، ومتى تكاتفت الجهود هذا بماله والآخر بجاهه والثالث بوقته وجهده والرابع بتشجيعه وتحفيزه والخامس بخبراته وتجاربه والسادس بمهاراته وأفكاره والسابع بدعائه وبركاته فسنصبح منظومة متكاملة ونماذج حياة للمواطنة الصالحة، وليس ذلك على الله بعزيز، ودمت عزيزاً ياوطني وإلى لقاء والسلام.