الموت أو الضيف الأخير (الزائر) الذي يأتي بلا استئذان يذوقه كل إنسان قال الله تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ} (57) سورة العنكبوت، فالموت كأس لابد من شربه وإن طال بالعبد المدى وعمّر سنيناً.!! فهو هادم اللذات، ومفرق الجماعات، ومشتت القرابات وميتم البنين والبنات، قال الله تعالى: {فَأَصَابَتْكُم مُّصِيبَةُ الْمَوْتِ} (106) سورة المائدة، فلا عجب أن الموت هو (الحقيقة) التي تقف أمامها البشرية عامة عاجزة عن الهروب منه، كما يقول تعالى {أَيْنَمَا تَكُونُواْ يُدْرِككُّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ} (78) سورة النساء.
إنها سنة الحياة، وناموس الكون، أن نصحوا أحيانا على خبر يدمع العين، ويحزن القلب، ويحير العقل، ويؤثر على النفس برحيل الأحبة.
في صباح يوم الثلاثاء الموافق 5-5-1444 تلقيت نبأ وفاة أستاذ علم الاجتماع بجامعة الإمام محمد بن سعود الاسلامية د. عبدالله بن حسين الخليفة بعد معاناته مع المرض عن عمر يناهز 70 عاماً، تغمده الله بواسع رحمته.
تشرفت بمعرفة -فقيدنا الغالي- قبل عدة سنوات وكنت من طلاب منهجيته العلمية كقامة أكاديمية وهامة بحثية كانت تهتم بالتأطير أكثر من التنظير. فأثرت مكتبة علم الاجتماع العربي وتراثه الاصيل بالمؤلفات الغنية والدراسات العلمية، تاركاً برحيله ميراثاً كبيراً من العلم والمعرفة بعد أن عاش حياته داخل الصرح الأكاديمي أستاذاً محبوباً راقياً في تعامله.. عرف عنه التواضع والأدب الجم مع الجميع.. وكنت محظوظا أن استفدت من هذه المدرسة السوسيولوجية.. أسس وأصول مناهج البحث التي تخصص فيها كعالم اجتماع متميزاً وأستاذاً بارزاً خاصة في مناهج البحث والنظرية الاجتماعية.
ولد عالمنا الراحل د. عبد الله الخليفة في محافظة وادي الدواسر جنوب منطقة الرياض عام 1374هـ فدرس في مسقط رأسه معظم المراحل التعليمية لينتقل إلى الرياض لدراسة المرحلة الجامعية وتحديدا في الجامعة العريقة (جامعة الامام محمد بن سعود الاسلامية) في التسعينيات الهجرية من القرن الفائت فنال شهادة البكالوريوس عام 1397هـ، ثم شد الرحال بطموح كبير ورغبة صلبه إلى الولايات المتحدة الامريكية من أجل العلم والمعرفة وحصل على شهادة الماجستير من جامعة كاليفورنيا الحكومية عام 1982م، ثم تلا ذلك شهادة الدكتوراه عام 1985م من أعرق الجامعات الأمريكية (تكساس) في تخصص دقيق علم الاجتماع الحضري ومناهج البحث، وبعد عودته من الابتعاث الخارجي وهو متسلح بالعلم والمعرفة عيّن على درجة استاذ مساعد وتدرج داخل الصرح الاكاديمي حتى نال الدرجة الأستاذية عام 1416هـ.
كانت مجالات اهتمامه العلمي دراسة: (السكان، والتغير الاجتماعي، البناء الاجتماعي، الجريمة، والتنمية الحضرية، والعمليات الاجتماعية، والتقاليد والعادات والنظم الاجتماعية، والأسرة، والدراسات الحضرية، وقضايا المرأة المعاصرة، والأمن الفكري، والمشكلات الاجتماعية وغيرها من الاهتمامات العلمية السوسيولوجية)، أما في مجال الأعمال الإدارية والخبرات الاكاديمية فقد ترأس قسم الاجتماع من عام 1407هـ إلى 1410هـ، ثم عضو المجلس العلمي بجامعة الإمام محمد بن سعود الاسلامية ثلاثة أعوام (1417-1420هـ) وعضو المجلس العلمي بجامعة نايف للعلوم الأمنية (1418هـ)، عضو الجمعية السعودية لعلم الاجتماع والخدمة الاجتماعية من عام 1422هـ وعضو الجمعية الدولية لعلم الاجتماع بمدريد، من عام 1989م، عضو الجمعية الامريكية لعلم الاجتماع من عام 1985م، وعضو الجمعية الامريكية لعلم السكان لمدة ست سنوات، وعضو الجمعية الدولية لعلم الجريمة-بروما (1990-1998م )، عضو اللجنة الدائمة للبحوث الاجتماعية والنفسية والتربوية (1413-1420هـ)، عضو لجنة الدراسات العليا (1415هـ)، عضو اللجنة الاستشارية للكتاب السنوي (1412-1417هـ) مركز مكافحة الجريمة، مستشار غير متفرغ- للاستشارات والإعمال البحثية لمدة أربعة أعوام بوزارة الداخلية، مستشار غير متفرغ- للاستشارات والأعمال البحثية لمدة ثلاثة أعوام وزارة العمل والشئون الاجتماعية، مستشار غير متفرغ- للاستشارات والإعمال البحثية بوزارة التعليم العالي لمدة سنتين، مستشار غير متفرغ- للاستشارات والأعمال البحثية، وزارة الصحة لمدة سنة، مستشار غير متفرغ- للاستشارات والأعمال البحثية، وزارة الثقافة والإعلام لمدة سنتين، عضو اللجان الاستشارية بالهيئة العامة للسياحة (1422-1423هـ) مستشار اجتماعي ومدير عام ادارة الدراسات والأبحاث -مؤسسة الملك عبد الله لوالديه للإسكان التنموي (1423-1436هـ)، مدير عام إدارة الدراسات واستطلاعات الرأي العام (1436-1438هـ)، خبير دولي في قضايا الاسكان الخيري، مؤسسة (GIZ) سنتين.
وتتويجا لهذه المسيرة العلمية والتعليمية والأكاديمية الثرية نال البروفيسور (الخليفة) العديد من الجوائز ومنها جائزة الملك خالد للعلوم الاجتماعية في دورتها الثانية (1433هـ) وجائزة الأمير نايف بن عبد العزيز -رحمه الله - للبحوث الامنية لمجلس التعاون بالمركز الثالث (2017) أما على صعيد الإنجازات والمشاركات العلمية فقد شارك في أكثر من (30) مؤتمراً وندوة محلية، كما شارك في نحو (40 مؤتمراً) وندوة دولية ناقش أكثر من (20) رسالة علمية بعضها خارج المملكة نشر (40 مؤلفا) ما بين كتاب وأهمها كتاب ابعاد الجريمة ونظم العدالة الجنائية في الوطن العربي (2000). وكتاب أثر العوامل الاجتماعية في توزيع السكان (1411) على أحياء مدينة الرياض، وكتاب أساسيات البحث الكيفي: أساليب وإجراءات النظرية المجذرة: تأليف انسيلم سترواس وجوليت كورين- ترجمة د. عبد الله الخليفة. وغيرها من الكتب، كما عمل -يرحمه الله- العديد من الابحاث (محلياً ودولياً).
والأكيد أن رحيل العلامة البارزة في مناهج البحث الاجتماعي والنظرية الاجتماعية البروفيسور (عبد الله الخليفة) صاحب السيرة الزاخرة بالقيم الانسانية والعلمية والأخلاقية.. يمثل خسارة لوطننا الغالي بعد أن ترك أعمالاً بارزة، ومنجزات علمية، ومؤلفات ثرية في مكتبة علم الاجتماع العربي.. سائلا الله العلي القدير أن يغفر لعالمنا الراحل ويسكنه فسيح جناته.
{إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}.
وقفة: يرحل الجسد ويبقى الأثر.. والذكر الجميل عمر طويل.
** **
- خالد الدوس