د. محمد بن إبراهيم الملحم
أهمية الإشراف التربوي تكمن في دوره الكبير للنهوض بالممارسات التعليمية سواء من خلال أنشطته في دعم التدريس أو دوره في التقويم أو مساهمته الرئيسة في التدريب، وكل هذه تتطلب النبوغ في ثلاثة مجالات: ثقافة تربوية عالية، وخبرة تدريسية متميزة، وقدرة قيادية ترتكز على المحور الإنساني. وكما وضحت مسبقًا فإن التميز في التدريس لم يعد مؤخراً من مقومات الفئة المختارة للإشراف التربوي وإنما كثيراً ما يتم التسامح معها بدرجة أو بأخرى بسبب نقص الإقبال على الإشراف التربوي والذي لا يُنظر إليه كترقية وظيفية أو حتى ترقٍّ خبراتي فكري في مجال العمل بقدر ما هو مجرد وظيفة أخرى تساوي وظيفة المعلم في القيمة وتختلف عنها في الشكل والهيئة، وهذا يتطلب أن يتم وضع نظام جديد للمشرف التربوي يضمن له مستوى لائقًا من التقدير الوظيفي وينطلق به في درجات «الخبير» التربوي ليصبح مجال الإشراف التربوي ذاته مساحة واسعة لحركة المشرف الوظيفية والتي قد يطول بقاؤه فيها لسنوات يترقى خلالها بدرجات توفر التنافسية وتبعث الطموح.
الجانب الآخر في هذه الرؤية وهو الثقافة التربوية المتميزة، فهو يصقل بالتدريب على رأس العمل، والذي لا أرى أن يحقق من خلال الكوادر المحلية فقط، وفيها من يفتخر بهم وبقدراتهم دون شك...، ولكن يطعّم هؤلاء بخبرات إقليمية ودولية تستقطب لفترة من الزمن ضمن إطار مجموعات تدريبية مركزية وشبه مركزية تتولى تدريب الأفراد المرشحين لمهمة الإشراف التربوي وتقدم أنشطة تنافسية لتحفيز التحصيل وتعميق الثقافة. وهذه الخبرات الدولية مهمة بشكل خاص في بدايات هذا المشروع النهضوي للإشراف التربوي، وذلك لتأسيس بيت خبرة محلي متفرد استقى من كل المشارب لا بشكل نظري بحت وإنما من خلال الاحتكاك المباشر بالخبرات الدولية التي قدمت خلاصة تجاربها في المجال التدريسي والقيادي الإشرافي لمن سيستلمون العمل الإشرافي الريادي. وبيت الخبرة المحلي هذا سيكون مستقبلاً هو من ينشر الأفكار نفسها والتجارب والتصورات التي تشكلت لديه كمهارات وقناعات قاموا بممارستها فعلاً وخبروها عملياً ثم طبقوها في المساحة الإشرافية، مما سيجعل حديثهم وبثهم للفكر الجديد نابعاً من خبرة حقيقية تمت صناعتها محلياً بكفاءة وليس سرداً نظرياً من نتاج فحص الكتب والإبحار عبر صفحاتها.
الجانب الثالث والأخير في نهضة الإشراف التربوي وهو تحقق القدرة القيادية المرتكزة على المحور الإنساني، فهو مجال يحتاج إلى نوع خاص من التدريب، وهو ما أسميه التدريب الانغماسي، حيث يتم فيه تقديم المعرفة للمتدرب (وهنا ستكون حول أسس القيادة وفنياتها ومهاراتها ومتطلباتها وما إلى ذلك)، وفي الوقت نفسه يتاح للمتدرب الانغماس في مواقف قيادية حقيقية من خلال قيادة الظل Shadowing Leadership والتي يكون فيها ملازماً لقائد سابق يعمل في المجال الإشرافي فيتعلم من خلال المعايشة كما تتاح له أحياناً فرصة تقديم الحلول أو تطبيقها على أرض الواقع. التدريب النظري وحده غير كافٍ للحصول على قيادات، ويجب أن تتوقف هذه النظرة القاصرة والتي أسهمت في تخريج أشخاص في مواقع قيادية يظنون أنهم بلغوا حد الكفاية في هذا المجال، فقط لما تلقوه من برامج تدريبية «كثيرة» حوله! وهذا ما أسميه تخريب spoiling الشخصية القيادية، بمعنى أنك نفخت شخصية ليست ذات كفاءة حتى بلغت حد الإعجاب بالذات لدرجة توقفها عن تطوير الذات من خلال المراجعات والتحسين الداخلي، حيث ترى أن ما حصدته من برامج تدريبية كافٍ وحده ليقال عنها إنها مثقفة أو متمكنة.
أخيراً أؤكد أن النهضة بالإشراف التربوي هي مفتاح التطوير التربوي والتعليمي في بلادنا، ولابد أن يكون النهوض به مختلفاً تماماً عن أي محاولات سابقة ومتفرداً ويقاد بفريق يحمل كمية هائلة من الوعي والفهم التربوي والقدرة القيادية والنظرة الإستراتيجية المتميزة ليتمكن من الوصول بالإشراف إلى مستوى الطموح.