أبوبكر الموسى
لم يحظ قطاع الأمن السيبراني بالحد الأدنى من الوقت لتحديد الرؤى ورسم خطوات مستقبله بعناية وتدرج، فقد ولد خديجاً من رحم الحاجة وفُطم على يد الجائحة ليشرع في مهامه بشكل فوري لمواجهة التحديات السيبرانية المتزايدة والحد من خطورتها لضمان سلامة وموثوقية الفضاء الإلكتروني.
ولم يجد قادة القطاع بُداً من الانخراط التام حتى في الجوانب التشغيلية بسبب شح الكوادر المؤهلة لسد الفجوة، التي تمثل أحد أكبر التحديات في مجال الأمن السيبراني، ورغم هذه الصعوبات المتتالية إلا أنه بين الفينة والأخرى تطل نسائم من البشرى بأن هذه المنظومة تسير بخطى تسبق عمرها، وتحقق نجاحات قابلة للقياس تمكنها من فرصة لتقييم الواقع، وبحث الحلول لبناء المستقبل.
وفي هذا السياق شهد شهر نوفمبر 2022 عقد تظاهرتين بالتزامن جمعتا المئات من الخبراء وصناع القرار تمثلتا في المنتدى الدولي للأمن السيبراني بالرياض الذي نظمته الهيئة الوطنية للأمن السيبراني تحت شعار «إعادة التفكير في الترتيبات السيبرانية العالمية» بهدف فتح آفاق المعرفة حول موضوعات الأمن السيبراني، وبناء أسس التعاون، وقمة «ووتشن» لمؤتمر الإنترنت العالمي 2022 في الصين، التي أقيمت هي الأخرى تحت شعار يحمل دعوة إلى البناء والتعاون «نحو مستقبل رقمي مشترك في عالم متصل - بناء مجتمع ذي مستقبل مشترك في الفضاء السيبراني».
وقد ركز الحدثان على بحث الحلول ومناقشة مستقبل القطاع في إشارة واضحة إلى قرب الانتهاء من المرحلة الحرجة إن صح التعبير، واكتمال الصورة الشاملة لخارطة الطريق نحو المستقبل، ولعل أبرز الحلول وأكثرها إلحاحاً من واقع التظاهرتين كانت تتعلق بموضوع التعاون الدولي والمصير المشترك حيث تجلى ذلك في رسالة الرئيس الصيني «شي جين بينغ» التي بعث بها إلى المؤتمر العالمي في بلاده ودعا فيها المجتمع الدولي إلى البناء المشترك لفضاء سيبراني أكثر نزاهة وملاءمة وأكثر انفتاحاً وشمولاً وأماناً، وبذل جهود متسارعة لبناء مجتمع مصيره مشترك في الفضاء السيبراني.
وعلى ذات المحور المتعلق بالتعاون والشمولية تركزت مطالبات المنتدى الدولي للأمن السيبراني في الرياض بالتأكيد على ضرورة التعاون الدولي، لبناء مستقبل مشرق للفضاء السيبراني ولكونه يمثل طوق النجاة من المخاطر السيبرانية، والمصير المشترك بين جميع الدول المتقدمة في المجال، والنامية على حد سواء، فضعف المنظومة السيبرانية في بلد ما في آخر نقطة من العالم سيؤثر حتماً على نظيره في الجانب الآخر، والحذر من تكرار سيناريو الجائحة بوضع الدول نفسها كأولوية دون الاكتراث بما يحدث في بقية العالم، ليكون التعاون هو المطلب الرئيسي من بكين إلى الرياض إلى آخر نقطة في العالم لضمان وموثوقية الفضاء السيبراني العالمي.