د. إبراهيم بن جلال فضلون
في خضم التحديات التي يواجهها العالم، منذ نهاية 2019 مروراً بالغزوة الروسية لجارتها الأوكرانية وسلبياتها على العالم اقتصادياً وأمنياً بتضخم جراء رفع سعر الفائدة أربع مرات، وأزمة الغذاء التي عصفت بالأبرياء والأغنياء، وحالياً أزمة الوقود التي تقودها السعودية وحلفاؤها من دول أوبك بلس بتوازن سوقي متميز دون المنفعة السياسية أو المصالح النفعية، شدد الملك سلمان بن عبدالعزيز في كلمة الدولة المستضيفة لقمة «العشرين»، على معالجة مواطن الضعف التي ظهرت ووصفها بـ»الصدمة غير المسبوقة»، ومدى التنافس الدولي لإيجاد اللقاح، وقيادتها للمجموعة بما يزيد على 21 مليار دولار لدعم الجهود العالمية للتصدي للفيروس، وضخت أكثر من 11 تريليون دولار لدعم الأفراد والشركات.
ليشهد نهاية العام الحالي سلسلة أحداث فائقة الأهمية، كعادتها في قلب الحدث على أرض عاصمة العرب الرياض، التي صارت برؤية المملكة ذات العلاقات المتوازنة المتكافئة، وريادية جعلتها محط أنظار الأصدقاء والخصوم، وموطئ أقدام العالم وشركاتها الإقليمية، ومهد القمم آخرها «قمة جدة»، لتستضيف سلسلتها الريادية بأيام متتالية بالرياض قمة سعودية- صينية، وقمة ثانية خليجية- صينية، وأخرى قمة عربية- صينية، وكأننا أمام لقاء متكرر في توحيد الكلمة العربية الخليجية كما كانت في «قمة جدة» مع أميركا وسياساتها، فهي قمة الوضوح والقوة، لصُنع قاطرة تنموية وعمل عربي خليجي مُشترك وجدنا صداه في «قمة المناخ 27» بشرم الشيخ المصرية، وقمة الفرنكوفونية في (تونس) مزدانة بالقمة الكروية الدولية في مونديال كأس العالم بقطر التي عادت بروحها للجسد العربي الخليجي، لينعكس كل ذلك على القدرات السياسية الاقتصادية بين القوى الفاعلة.
لقد بنت المملكة شراكات متنوعة وصنعت برؤيتها علاقات وتحالفات تقليدية، لتكون وجهتها التوازنية نحو (روسيا والصين)، وفي ذات الوقت تحافظ على قدمها في العالم الغربي مع فرنسا عبر سياساتها النفطية عبر دول «أوبك وأوبك+» رغم حملات التشويه الأمريكية ساسة وإعلاماً، وهو ما يعنى في المقابل أن الرؤية الصينية للعالم العربي تعتمد على فكرة «السلام التنموي» بدلاً من فكرة «السلام الديموقراطي» الغربي.
فعلى الرغم من العلاقات التاريخية العميقة، التي اقتصرت على التبادلات التجارية والثقافية عبر قرون مضت، ابتعدت الصين عن أرض الشرق، لتجد ضالتها أخيراً في ساحات الشرق الأوسط كلاعب دولي يمكن الاعتماد عليه وسط التوترات الدبلوماسية، بثرواتها وموقعها الإستراتيجي رغم أنها «منطقة تشابك» في صراع القوى الدولية المتنافسة، فتلك القمة تُسهم في تعزيز دور المنطقة والخليج كركيزة للأمن والاستقرار العالمي، وهو ما يعكس حرص الصين كثاني أكبر اقتصاد عالمي والعرب كشريك استراتيجي وسوق واعد للصين، إذًا فالمقاربة الصينية للمنطقة مستمرة، فما يشغل بال الصينيين هو تعزيز الاقتصادات التجارية العابرة للحدود، وليس التوسع العسكري، إلا في نطاقات محددة، فضلًا عن حاجة الصين المتزايدة للطاقة مع زيادة إنتاجها، حيثُ زاد طلبها على الطاقة بشكل كبير بين 2000
و2020م، ليتضاعف فيها حجم اقتصادها خمس مرات، ومن المرجح أن تضاعف الصين وارداتها النفطية من المنطقة بحلول عام 2035، علمًا بأنه في عام 2020، كان ثلث واردات الصين من الخليج، حيث جاءت النسبة الأكبر من المملكة العربية السعودية (15.5 %)، تليها عمان (7 %)، ثم الإمارات (5.5 %)، والكويت (5 %)، لوزارة الدفاع الأمريكية البنتاجون.. وقد استوردت الصين 9.1 مليون برميل يوميًّا من النفط الخام في عام 2020، مع حوالي 3.5 مليون برميل أي (38 %) من الحجم الإجمالي من الشرق الأوسط، وسيزداد اعتمادها على الدول العربية ومنطقة الشرق الأوسط في غضون العقدين المقبلين.
إذًا ظرفية التوقيت والمكان لهما دلالات جيو سياسية، قد يكون ردًّا على المهاترات الأمريكية والتعنت الإيراني الإرهابي بالمنطقة، فموازين القوى في العالم تُعيد تشكيل نفسها من جديد، وأعتقد أن العرب أفاقوا، وسيكون للسعودية والخليج والمنطقة مقعد مُتقدم بين الكبار، لتكون الكلمة شعارها «نحن لا نتحرك بمفردنا بل نتحرك وفق منظومة جماعية متناسقة».
فالصين رغم كونها دولة كبيرة إلا أنها تنتهج دبلوماسية فريدة وهى «شراكة القوة» أو «صداقة الشراكة»، التي تتوافق مع الرغبة العربية في بناء مجتمع عالمي متعدد الأقطاب، وهذا ما ستؤكده قمة الرياض في سياق نهج عربي راسخ وثابت.