د. تنيضب الفايدي
حكمة تقال (إن من يتقن فن العيش مع نفسه لن يعرف البؤس أبداً) فيجب أن تعيش بدون تفكير في الماضي أو المستقبل، واستمتع بالحياة التي أعطاك الله سبحانه وتعالى بالإمكانيات التي تتوفر لديك، وحافظ على أداء أوامر الله سبحانه وتعالى وابتعد عما نهاك الله عنه، فإذا تعلمت فن العيش في الحياة فإنك لا تعرف طريق اليأس والخضوع والسقوط، ولن تخضع لهمزات الشيطان، بل تعيش بكل راحة وسكون.
ولطرد القلق أدخل في بيتك المرح والضحك، لأن الجوّ في البيت له دورٌ كبير في العيش بالسعادة والفرح، ولإيجاد الجو المناسب في البيت عليك اتباع ما يلي:
- لا تأخذ كل شيء بجدية، بل اترك مجالاً للضحك والمرح، ولا تفكر أن ذلك يقلل هيبتك لدى أفراد الأسرة، بل بالعكس يزيد احترامك وشخصيتك داخل الأسرة حتى لا يمكن لكل واحد أن يشارك معك بدون أي حاجز.
- ابحث الفرح في كل شيء ولا يستطيع تحويل كل شيء إلى دعابة إلا شخص مرح، فمشاركتك مع أفراد أسرتك في الضحك والمرح يجلب السعادة في البيت.
- حاول أن تقضي بعض الأوقات مع عائلتك وتتحدث معهم وشارك معهم في اللعب، كل ذلك يبعد القلق والتوتر والاضطراب عن محيط البيت.
وابتعد عن الذين ينكدون عليك العيش، فمن الأمور المهمة لطرد القلق أن تبتعد عن الذين يدخلون سموم القلق في حياتك، فبعض الناس يتكلمون في أمور لا تعنيهم أو يتكلمون بعبارات تترك على السامع آثاراً سيئة للغاية، فإذا عرفت بأن مصدر القلق والهمّ الشخص الفلاني، فيجدر بك أن تبتعد عنه حتى لا يقدر أن ينكد عليك ويسمم حياتك وينزع منك فرحة السعادة. وقد ينطبق عليه قول الرسول صلى الله عليه وسلم: «مثل الجليس الصالح وجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك إما أن يحذيك، وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحاً طيبة، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد منه ريحاً خبيثة».
ولطرد القلق عليك الابتعاد عن الجدال، والمقصود بالجدال الجدال المذموم؛ لأن هناك جدالاً ممدوحاً وهو الذي يكون لتثبيت الحق ودحض الشبهات، قال تعالى: {ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} (سورة النحل الآية 125).
أما الجدال الذي يورث العداوة ويقطع المودة ويجلب لصاحبه القلق والحزن، فجديرٌ بالمرء أن يبعد نفسه عنه؛ لأنه مصدر القلق. قال مالك بن أنس: (المراء يقسّي القلوب، ويُورث الضغائن). وقال مسلم بن يسار: (إيَّاكم والمراء، فإنها ساعة جهل العالم، وبها يبتغي الشيطان زلته). وقال عمر بن عبد العزيز: (قد أفلح من عُصم من المراء والغضب والطمع) البداية والنهاية لابن كثير (9/ 234). وقال الأوزاعي: (إذا أراد الله بقوم شراً ألزمهم الجدل، ومنعهم العمل) الآداب الشرعية لابن مفلح (1/ 202).
وعلى المرء إذا كان يريد أن يعيش بالسعادة والاطمئنان دون أي قلق فعليه أن يبتعد عن الأسئلة غير المفيدة؛ وحتى عن الكلام غير المفيد، لأن الكلام الكثير خاصة إذا كان غير مفيد، فإنه يجلب القلق والتوتر، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الكلام الكثير فعن أبي اليُسر كعبُ بن عَمرو أن رجلاً قالَ يا رسولَ اللهِ دلَّني على عملٍ يدخلني الجنَّةَ، قالَ أمسِك هذا وأشارَ إلى لسانِه، فأعادَها عليهِ فقالَ ثَكِلتكَ أمُّكَ هل يُكبُ النّاسَ على مناخرِهم في النَّارِ إلا حصائدُ ألسنتهم. رواه البزار، فمن الضرورة للمرء أن يكبح رغبته بالكلام الكثير والسؤال غير المفيد، وأخذ دور المنصت أكثر من دور المتحدث، والتذكر دائماً أن خير الكلام ما قلّ ودلّ.