وثّق مؤلف كتاب (رجال في الذاكرة) عبدالله بن زايد الطويان -رحمه الله- في كتابه الذي يقع في مائتين وست وثلاثين صفحة سيراً ذاتية لمجموعة مختارة من رجال أفذاذ كانت لهم بصمات ثابتة وقال ما نصه في مقدمة الكتاب: (أغلبهم عاصروا توحيد هذا الكيان على يد الملك عبدالعزيز - طيَّب الله ثراه- ولبوا نداء التوحيد وعملوا جادين ومخلصين، حاولت إلقاء الضوء عليهم بجمعهم في هذا الكتاب وهو أقل واجب نحوهم) وقد اخترت هنا ما وثّقه الشعر الشعبي لبعض السّير التي تضمّنها كتاب المؤلف الطويان.
فقد جاء على الصفحة 110 عن الأمير عبدالعزيز بن مساعد -رحمه الله - ما نصه: (سموه -رحمه الله - قد حاز على جميع الصفات العسكرية والمدنية التي يتمتع بها المناضل المسلم في شتى الميادين، حيث كان بطلاً مقداماً مهيباً)، وأضاف: (ولابن مساعد يد طولى في توحيد هذا الكيان العظيم واستتباب أمنه. بعد كفاح استمر من سنة 1319هـ وهي السنة التي استعاد فيها الملك عبدالعزيز ملك آبائه وأجداده حتى عام 1351هـ الذي أُعلن فيه توحيد المملكة العربية السعودية).
وقال في موضع آخر عن الأمير عبدالعزيز بن مساعد - رحمه الله-: (ثم كان على رأس عدة فتوحات ووقعات هامة مثل وقعة السر سنة 1321هـ والبكيرية سنة 1332هـ ثم الشنانة بنفس السنة وكذلك وقعتا الطرفية والأشعلي سنة 1325هـ وفتح بريدة سنة 1326هـ. وكان ابن مساعد - رحمه الله صبوراً لا يكل ولا يمل ولم يخلد يوماً للراحة فقد شهد معركة جراب سنة 1333هـ).
وأضاف: (ولم يكن عبدالعزيز بن مساعد محارباًَ فقط، بل كان من دهاة العرب المعاصرين وقد قضى على الكثير من المشاكل بدهائه دون اللجوء إلى القوة وذلك بأسلوبه اللبق الصريح. شهد معركة السبلة سنة 1347هـ حين تمرد الإخوان وترأس وقعة المسعري بنفس السنة التي أنهت بقايا الإخوان وكانت آخر معركة في سبيل التوحيد لهذه البلاد هي معركة الحقو سنة 1351هـ عندما أعلن الإدريسي عصيانه من الخارج نهض له صاحب المهام الصعبة وسار من حايل في شعبان سنة 1351هـ ونزل أم الخشب ثم إلى الحقو التي استسلمت له ثم واصل سيره إلى الحسينية ومنها إلى أبوعريش، حيث استسلمت دون قتال وفر الحسن الإدريسي إلى صنعاء مع كامل أسرته وعاد ابن مساعد إلى حايل ظافراً بعد أن عين المرحوم حمد الشويعر والياً على عسير وتهامته. ثم تفرَّغ - رحمه الله- للبناء والإصلاحات الإدارية وفي 1-3-1397هـ ترجَّل هذا البطل الأمير المجاهد بمدينة الرياض ودفن بجانب قبر ابن عمه الملك عبدالعزيز غفر الله لهما جميعاً).
وتجدر الإشارة إلى أن الأمير عبدالعزيز بن مساعد - رحمه الله - يقول من الشعر أحسنه كقوله:
يا راكب اللي إلى نازي
مشيه مع القاع يعجبنا
يا طارشي قل لإبن غازي
يحفظ مفالي ركايبنا
الخيل عنهن ماني عازي
صم الرمك هن حبايبنا
داجن بنا الخبت وحجازي
بالحقو بانت مضاربنا
ومما قيل من المراثي الشعرية في سموه -رحمه الله- قول الشاعر الأمير خالد الفيصل:
قالوا وراها مارثته الصحافه
قلت السيوف وصهوة الخيل ترثيه
عد النصف ياللي تعرف النصافه
إبن مساعد وش فعل في مباديه
دايم وخشم الرمح يرعف رعافه
الرمح يطعن به وسيفه يروّيه
وأنشد ميادين الوغى كيف شافه
ضدّه من الفرسان يومه يدنّيه
الفارس اللي ما يعرف المخافه
إلاّ مخافة والي العرش تثنيه
فيه الشهامه والورع والنظافه
نظيف عرضٍ ما يدنّس مواطيه
وفيه الكرم والجود راعي ضيافه
ذولا يغدّيهم وهذا يعشّيه
على العدل ميزان والظلم آفه
لي جاه مظلومٍ له الحق يعطيه
مانال ضدّه غير ثوب الكسافه
والاّ رفيقه بالمعزّه يباريه
وعلى الصفحة 149 قال المؤلف ما نصه: (هو الأمير عساف بن حسين بن منصور العساف ولد ببلدته الرس سنة 1309هـ تقريباً وتعلم القراءة والكتابة على يد علماء الرس الموجودين في ذلك الوقت ولما شب تعلم الفروسية وفنون الحرب أسوة بأفراد أسرته الكريمة التي ظهر منها العديد من رجال الحرب في تلك الأزمنة وحين توحَّدت البلاد السعودية على يد صاحبها الملك عبدالعزيز عين ابن عساف أميرًا على الجوف فترة من الزمن ثم نقل إلى نجران فترة أخرى، وفي أواخر الثلاثينات عاد لمدينة الرس أميرًا عليها وظل على هذا المنصب حتى توفاه الله سنة 1373هـ وكان -رحمه الله - من مشاهير الرجال الذين يتصفون بعلو الهمة والرجولة الحقة كيف لا وهو من أسرة عريقة عرفت برجالها الميامين وآل عساف من أكبر أسر القصيم ويعود نسبهم إلى قبيلة العجمان التي عرفت بقوة البأس بين عشائر الجزيرة العربية. والعساف ظهر منهم العديد من الأمراء والقادة في عدة مدن وبلدان وعرفوا جميعاً بالوطنية وحب العمل والإخلاص لبلادهم. وحين توفي هذا العلم خلفه ابنه حسين العساف حتى عام 1402هـ وبعد وفاته -رحمه الله - خلفه شقيقه منصور بن عساف حتى عام 1408هـ وكان هذان الأخوان من خيرة الأمراء، حيث تطورت مدينة الرس في عهدهما تطوراً ملموساً وصارت تضاهي المدن الرئيسية. وقد خلف منصور العساف أخوه محافظ الرس محمد بن عساف بن حسين العساف وهو من مواليد 1350هـ بالرس تلقى أول تعليمه بمكة المكرمة والطائف والتحق مبكراً في خدمة الملك فيصل -رحمه الله - وكان من خاصته، وفي سنة 1381هـ عاد لمسقط رأسه وتعين موظفاً في إمارة الرس ثم في إمارة القصيم ثم مديراً للجوازات والجنسية سنة 1395هـ ثم وكيلاً لإمارة الرس سنة 1402هـ لمدة ست سنوات ثم عين أميرًا للرس سنة 1408هـ وفي سنة 1415هـ عين محافظاً للرس قضى أكثر من أربعين سنة في الأعمال الإدارية المهمة، وقد مدحه العديد من شعراء القصيم وغيره منهم الشاعر أبو العون حين قال:
يا كثر والله يا محمد مزاياك
مار الكلام اليوم ما يقال كلّه
يستاهل التمجيد مثلك وشرواك
اللي يلوذون العرب يم ظلّه
أنته مثل هدّاح وصفك وحلياك
بالطيب كل المجتمع شاهدٍ له
وعلى الصفحة 81 جاء ما نصه: (سليمان بن يوسف الشنيفي من رجالات نجد المعاصرين ولد ببلدة ضرماء سنة 1313هـ وتعلم وترعرع بها، وقد عاصر توحيد المملكة العربية السعودية وعندما شبَّ التحق بجيش الأمير عبدالعزيز بن مساعد بن جلوي -رحمه الله - واشترك مع قواده بغزوات وعرف الشنيفي بشجاعته ورأيه الصائب حتى قرّبه ابن مساعد إليه وصار قائداً لامعاً، وقد حضر معظم الوقعات التي كان آخرها معركة الحقو بالجنوب سنة 1351هـ. وفي سنة 1356هـ عينه الملك عبدالعزيز أميراً على «لينه» وكانت في ذلك الوقت من أهم المراكز في شمال المملكة وقد ظل بها الشنيفي أكثر من عشرين سنة كان خلالها مضرب المثل في الإدارة. وقد حاز على رضاء الناس ومدحه الكثير منهم قال الشاعر يقصد الأمير عبدالعزيز بن مساعد ويثني على الشنيفي:
يا امير علّه يجيك عيال
ثلاثةٍ غير عبدالله
مثل الشنيفي وابن بتّال
ولاّ إبن قبلان ضيف الله
وقد صدر أمر بتوليه إمارة «تيماء» وهي إحدى أهم مدن الشمال الغربي لها ماض مجيد وتاريخ حافل وقد استمر الشنيفي بتيماء حتى تقاعد بالتسعينات الهجرية، والشنيفي الذي يعتبر من المحاربين القدامى المخلصين لدينهم وأوطانهم من أهالي ضرماء البلدة التي ظهر العديد من رجالات الوطن المخلصين وهو من بني ثور من قبيلة سبيع الشهيرة أخواله هم من بني تميم من المزاحمية، توفي هذا العلم سنة 1392هـ ودفن في مدينة الرياض).
** **
- محمد بن علي الطريّف