كنت محظوظاً جداً خلال رحلة بحث دامت سنوات طويلة، لكي أوثق تاريخ الأسرة التي يرجع نسبها إلى بني حنيفة بن لجيم بن صعب بن علي بن بكر بن وائل من ربيعة من عدنان، ولله الحمد حصلت على هذه الوثيقة النادرة والمميزة والثمينة جداً.
فقد كنت في بدايات بحثي أسمع من والدي رحمه الله ينقل على لسان والده بنفس اللفظ ويقول له:
«يا غازي ترى احنا ينتهي اسمنا بجدنا الكبير آل ابن غانم ونجتمع مع أبناء عمومتنا في الشيخ مبارك».
وكانت الكلمات مصدر فخر لي، استمتع بسماعها ولم أتحدث بها لأحد، وبعد البحث في أرشيف الحكومة في دولة الكويت وتحديداً في إدارة التسجيل العقاري بقسم الوثائق استخرجت وثيقة بيع عقار بموجب إرث للجد فهد رحمه الله وكتب في آخرها أستملك هذا البيت بموجب حكم محكمة شرعية، ما تسمى بحفيظة النفوس في عام 1374هـ الموافق 1954م.
ووقتها سألت عن كيفية استخراج الحكم الشرعي، فدلني أحد الأصدقاء عن مكانها وعندما ظهر لي الحكم الشرعي بدأت اقرأ ما هو المكتوب فيه، وذكر فيها أنه قد توفي عطية بن هندي بن ثامر بن عطية بن عبدالله بن غانم بن محيي بن مسعود ابن غانم في عام 1340هـ 1921م وفي نهاية الحكم قال القاضي الشرعي:
«وإن المتوفين ليس لديهم أبناء عمومة إلا شخص واحد فقط وهو يكون ابن عم أعلا وهو فهد بن سيف بن فهد بن مسعود ابن غانم ولم يكن لهم وارث سوى من ذكر».
ففرحت بهذه الوثيقة لما فيها من تسلسل الأسماء وسجل فيها سنوات وفاة الأجداد. وبعد فترة وأنا أبحث في الكتب التي تختص بنشر الوثائق والمخطوطات للجزيرة العربية فقد وجدت كتاباً من تأليف الدكتور فيصل الكندري، الموسوم بقانون نامة لواء القطيف لعام 959هـ، وتحدث بكتابه عن تاريخ المنطقة الشرقية والصراعات التي حدثت خلال هذه الفترة من البرتغاليين، ودخول الدولة العثمانية في المنطقة وفرض سيطرتهم عليها من قبل أهل هذه المنطقة، وفي إحدى صفحات الكتاب عثرت على ضالتي والتي كانت في السابق تقتصر على تاريخ شفوي فقط منقول على لسان والدي عن والده.
وهي وثيقة تحدثت عن مجموعة أسر منها أسرتنا آل ابن غانم وكتب فيها باشا علي بن غانم ابن الشيخ مبارك آل غانم وأنه توفي ومن أبنائه الجد مسعود ابن غانم، سالم ابن غانم، نجدي ابن غانم، حنبل ابن غانم، سيف ابن غانم، حسن ابن غانم، ثامر ابن غانم، إبراهيم ابن غانم، قاسم ابن غانم، جمعة ابن غانم، محمد ابن غانم، ناصر ابن غانم، عبدالله ابن غانم.
ولم أرضَ أن تكون فقط وثيقة من غير تصديق عليها من قبل الحكومة التركية، بل عزمت على استخراج الوثيقة الأصلية من الأرشيف التركي والحمد لله تم تصديقها من قبل الأرشيف ومكتب رئاسة الجمهورية التركية للتحول الرقمي ووالي إسطنبول والنوتير الشرعي وتعتبر هي أقدم وثيقة تدخل الآن في أرشيف الأسرة وتضمنت بين سطورها معلومات توثق حقبة تاريخية مهمة وكان مضمونها الآتي:
«إن أسرة آل ابن غانم تزيد منازلهم عن (400 منزل تقريباً) ومحاطة بحدائقهم وبساتينهم وأكثر أملاكهم في أراضي مدينة القطيف ونواحيها وكانوا يخرجون في فصل الشتاء شهرين من السنة إلى إبلهم وأغنامهم ويذهبون إلى الصحراء وهم طائفة عربية شيوخ وبشوات في هذه المنطقة وشيخهم في ذلك الوقت صاحب السعادة باشا علي بن غانم ابن الشيخ مبارك آل غانم وكانت تجارتهم:
1. القمح 2. الأرز 3. الشعير 4. السمسم 5. التمور 6. الذره 7. اللوبياء 8. الفواكه 9. الخضار 10. المواشي من الإبل والأغنام».
وذكرت الوثائق الأخرى أنه في بداية (عام 959هـ) كانت القطيف تعيش أيامها الأخيرة تحت الاحتلال البرتغالي، وتستعد في هذا الوقت أن تفتح أولى صفحات دخولها تحت سيطرة الدولة العثمانية التي ساهم بعض زعماء القطيف آنذاك في دخولها للبلد قبل بضع عشرة سنة من التاريخ المذكور، حين قام وفدٌ منهم بالذهاب في (عام 941هـ) للقاء السلطان العثماني سليمان القانوني وطلبوا منه تطهير بلدهم من البرتغاليين وحثه على المجيء إلى بلدهم وتخليصها منهم وتعهدوا للسلطان سليمان بالسمع والطاعة وتسليم قيادة المنطقة له، بعد ذلك وصل الخبر إلى بعض جواسيس البرتغاليين الذين أخبروا سادتهم بهذه النية من شيوخ القطيف في العام (957هـ) مما جعل الفونسو دي نورنها (Alfonso de Noronha) الحاكم البرتغالي العام للهند وملحقاتها التي من ضمنها الخليج آنذاك أن يرسل رسالة إلى ملك البرتغال يخبره بذلك، وكان ذلك في ربيع الأول (عام 959هـ) إلا أنّ انتهى الأمر بتغلب الدولة العثمانية حيث استولت على المنطقة الشرقية، وقامت بتعيين مراد بك في (18 ذي القعدة 959هـ) كأول والٍ عثماني على القطيف وملحقاتها، وفي الوقت نفسه قام موظفو الدولة بأمر السلطان بكتابة كل المعلومات الإحصائية التي تهم الدولة عن القطيف وتدوينها في سجلٍّ عثماني خاص عُرف فيما بعد باسم دفتر التحرير (الطابو) رقم 282.
وكلمة باشا من (اللغة التركية: باشا - pasa) لقب فخري وتشريفي في الدولة العثمانية يمنحه السلطان العثماني إلى الحكام والسياسيين البارزين، ويعادل هذا اللقب عند الحكومة الإنجليزية لقب (لورد).
وفي هذه المناسبة لا يسعني إلا أن أسرد في السطور التالية وبشكل مختصر، استمرار ذكر الأسرة في المنطقة الشرقية والمنطقة الوسطى وخاصةً منطقة القطيف، إذ إنه في عام 1114هـ وجدت وثيقة كان أحد شهودها الشيخ غانم بن عبدالله ابن غانم وفي عام 1206هـ كان الكبير على الرعايا وشيخ الحضر في مدينة القطيف الأمير أحمد بن غانم، فلما أرسل الإمام عبد العزيز ابن عفيصان إلى القطيف ودخلها وصاح في العسكر ألا تقربوا بيت ابن غانم فإنهم في الذمة، وبعد أن دخلت المنطقة في حوزة الإمام عبدالعزيز جعل الأمير أحمد بن غانم أميراً عليها وهذا ما جاء في رواية الريكي كتابه لمع الشهاب.
واغتيل الإمام عبد العزيز (رحمه الله) في سنة 1218هـ، وتولى الحكم نجله سعود أصالةً، فثبت الأمير أحمد بن غانم في منصبه أميرًا على القطيف، ثم توفي الأمير أحمد بن غانم فخلفه أخيه الأمير إبراهيم بن غانم، وتوفي الإمام سعود فبويع ابنه الإمام عبدالله بن سعود إماماً بعد والده، فثبت الأمير إبراهيم بن غانم أميراً على القطيف إلى حين سقوط الدولة السعودية الأولى في عام 1233هـ 1818م، وفي عام 1240هـ 1824م قامت الدولة السعودية الثانية بقيادة الإمام تركي بن عبدالله آل سعود، وجعل على القطيف عبدالله بن غانم أميراً عليها، وجعل في منطقة سدير ابنه علي بن عبدالله بن غانم اميراً عليها، وبعد اغتيال الإمام تركي بن عبدالله خلفه ابنه الإمام فيصل بن تركي وفي سنه 1251هـ اغتيل الأمير عبدالله بن غانم، فجعل الإمام فيصل بن تركي علي بن عبدالله بن غانم خلفاً عن والده أميراً على القطيف. وفي سنة 1261هـ توفي الأمير علي بن عبدالله بن غانم وفي سنة 1288هـ أرسل الإمام سعود بن فيصل بن تركي رسالة شفهيّة إلى حاكم البحرين وحثه على إقناع المقيم السياسي البريطاني فقد كلف بنقل هذه الرسالة مندوبه الجد الأمير عبدالعزيز بن محمد بن عبدالله بن غانم.
وبعد سقوط الدولة السعودية الثانية انتقل فرع الأجداد آل مسعود ابن غانم إلى البحرين ثم إلى الكويت في عام 1292هـ 1875م.
ويقول ابن الهيثم المتوفى عام 430 هـ «إن وجود الحق صعب، والطريق إليه وعر، والحقائق منغمسة في الشبهات»، لذا فإن البحث عن هذا التراث ليس بالأمر السهل، والاجتهاد في مثل هذه البحوث سيكون له مردود ثمين، وأثر كبير، وأساس متين لفهم تاريخ هذه التحولات السياسية والاجتماعية لنضع بين يدي القارئ الحقيقة الصافية.
اللهم علمنا ما جهلنا وعلمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علما «سُبْحَانَكَ لا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ».
** **
- عبدالله بن غازي آل غانم
ag_alghanim@hotmail.com