د. إبراهيم بن جلال فضلون
إن إدارة «أوبك +» لطاقتها الإنتاجية الفائضة قلّلت تقلبات أسعار النفط الخام بما يصل إلى 50 % (P)، وذلك قبل وفي أثناء جائحة كوفيد - 19.. حيثُ أدى الانخفاض في تذبذب أسعار النفط إلى خفض تكاليف الاقتصاد الكلي لاسيما بعد تكيفه مع أزمات نهاية 2019 كالجائحة ثُم الغزو الروسي لأوكرانيا، وأثرهُ المباشر على كافة السوق النفطي والطاقة سلباً، ليدخل العالم حالياً بعد أيام قليلة في خطوة غير مسبوقة لتنفيذ قرار الاتحاد الأوروبي بحظر النفط الروسي رغم الشتاء القارس ونقص إمدادات الوقود، ليضع الكُل خاصة أوروبا وأميركا في بوتقة مزيد من الضغط على السوق العالمية، خاصة (+ OAPEC) التي تعمل على التوازن السوقي بعيداً عن المصالح الأوروبية الأمريكية للتأثير في إنتاج موسكو وصادراتها، والتي يُكرر ويُلح في طلبها كثيراً مع زياراتهم (زيارة بايدن في قمة جدة -زيارة المستشار الألماني وغيرهما)، الأخيرة للسعودية ودول الخليج، حتى وكالة الطاقة الدولية قالت مؤخراً إنه يجب على أوبك+ التفكير في «الاقتصاد العالمي الهش».
إنها تناقضات باءت بالفشل أمام سياسة التوازن السوقي لدول OAPEC، بعدما اتهمت الإدارة الأمريكية ودول الاتحاد العجوز، السعودية بالخفض متناسية أن أوبك مجموعة دول.. لتأتي دراسة «استقرار سوق النفط: أداء أوبك وحلفائها»، الصادرة عن مركز الملك عبد الله للدراسات والبحوث البترولية (كابسارك)، مؤكدة لجهود «أوبك +» الرامية لتحقيق الاستقرار برفع متوسط الأسعار من 18 إلى 54 دولاراً خلال صدمة الطلب في أثناء الجائحة، رغم من خفضها متوسط الأسعار بمقدار 2.50 دولار لما قبل الجائحة.. لتعود بميزان الاستقرار باستخدام طاقتها الإنتاجية الفائضة.
ولا ننسى أن نهاية عام 2016 حمل حدثاً بارزاً في تاريخ سوق النفط العالمية، باتفاق تعاوني بين (+ OAPEC) والدول غير العضوة في « OAPEC» للمرة الأولى على مرّ 60 عاماً، لتتحدى الاتفاقية وتُعرقل مسيرتها (الجائحة)، وبالتالي عملت OAPEC على خفض تقلبات الأسعار مباشرةً من خلال القيام بدور المنتج البديل للحد من أثر صدمات العرض والطلب، لتُصبح سياسة الطاقة الإنتاجية الفائضة بزيادة الناتج المحلي الإجمالي العالمي سنوياً بنحو 200 مليار دولار، أداة فعالة لتحقيق هذا الهدف الاستراتيجي.
ومؤخراً خرجت شائعات وتكهنات كثيرة بأن «أوبك +» تنظر في خفض الإنتاج.. وقيل إن منظمة «أوبك +» تدرس عقد اجتماع عن بُعد فى 4 ديسمبر، لخفض مزيد منه، وهو ما نفاه نائب رئيس مجلس الوزراء، ووزير النفط الكويتى الدكتور بدر المال، بأن لا نية لذلك رغم ارتفاع الأسعار بعد خسائر جلسات الأيام السابقة، فبحلول 5 ديسمبر القادم، ستحتاج روسيا إلى إعادة توجيه ما متوسِّطُه 1.1 مليون برميل يومياً من صادراتها النفطية لدول غير أوروبا، وهو نفس الموعد الذي تُخطط فيه الأخيرة لفرض سقف سعري على النفط الروسي، الذي اقترحته مجموعة الدول الـ7 الكبرى بين 65 و70 دولاراً للبرميل، تمهيداً لقرار حظر المنتجات النفطية الروسية في 5 فبراير القادم، لنفهم بأنه لا يمكن أن تعوّض روسيا سوق الاتحاد الأوروبي بغيرها، حيثُ انخفضت صادراتها قبل تنفيذ حظر المنتجات المكررة إلى 400 ألف برميل يومياً منذ أوائل 2022.. وفي حال لم ترفع (الصين والهند وتركيا) وارداتها من النفط الروسي فعلى الأخيرة أن تُعزز صادراتها لبقية دول العالم إلى 3.3 مليون قبل فبراير العام المقبل، بدلاً من 1.2 مليون برميل يومياً حالياً، لتعويض انخفاض الواردات الأوروبية، وهو أمر غير ممكن، رغم تصريحات نائب رئيس الوزراء الروسي ألكسندر نوفاك خلال فعاليات منتدى أعمال الطاقة الروسي الصيني الرابع بأن : «وجود سقف للسعر غير مقبول عموماً من وجهة نظر إبرام العقود. سنعمل وفقاً لشروط السوق».. وقول رئيس شركة روسنفط الروسية إيغور سيتشين بأن حجم صادرات الغاز الروسي إلى الصين سيصل إلى 100 مليار متر مكعب سنوياً في المستقبل القريب. إذ توفر نحو 7 % من إجمالي الطلب الصيني على الخام، الأمر الذي يدفع حجم التبادل التجاري بين البلدين بحلول نهاية العام الجاري 2022 إلى نحو 180-190 مليار دولار.
إذاً روسيا والصين والقطب الشمالي أقطاب في وجه الغرب العجوز ومصالح أميركا.. لكن ذلك التحالف الأول هل هو حقيقي أم زواج مصالح فقط، حيثُ ترى روسيا المنطقة كفناء خلفيّ تسعى للسيطرة على ثروات النفط والغاز فيه، وهل روسيا مستعدّة لمواجهة الصين بإمكاناتها المادّية الشيوعية حال وقت المشاكل بينهما؟، لتكون فرصة لأعدائهما، رغم الحياد الخليجي (+ OAPEC)، لنرى تعقيداً مثيراً للاهتمام بين الجغرافيا السياسية والسلطوية المادية التي جعلت العالم في بحر ديون صينية... فإلى أين المآل؟.