العقيد م. محمد بن فراج الشهري
نعم، الشعب الإيراني لم يعد لديه صبر، نفد صبره وتبددت أحلامه في أن يجد حكومة تريح شعبها وتزيل عن كاهله مشاكل الفقر، والعوز، والظلم منذ أن قَدم خميني إلى إيران من منفاه في فرنسا، لم ير الشعب الإيراني أي خير.. تعاقبت عليه حكومات خمينية كهنوتية لا تعرف للإنسانية طريق.. وأبواب الخير والنماء فيها مؤصدة ذهبت ثروات إيران نهباً لمسؤوليها الكبار، وتوزعت على مليشيات الخراب، والدمار في دول عدة.. انهار الاقتصاد، جاع الشعب... وبقية الثروات يتلاعب بها الحرس الثوري الإيراني والباسيج وحراس الشر.. أُقيمت المشانق في الشوارع أعدم من أعدم، بالإضافة إلى تكميم الأفواه، امتلأت السجون، قتل من قتل، واضطهد من اضطهد، وخُطف من خُطف، ولم يجد الشعب أي خير يلوح في الأفق مما كان منه إلا أن أعلن رفضه وتمرده على هكذا سياسة، وهكذا حياة.. لذلك خرجت المظاهرات تلو المظاهرات، ومنذ سنوات والمظاهرات في إيران لا تتوقف.. ذهب ضحيتها الآلاف من الشعب الإيراني وآخرها هذه المظاهرات القائمة حالياً والتي تعد أطول المظاهرات التي قامت حتى الآن ولا زالت مستمرة ولن تتوقف بسهولة، بل ستزداد رغم العنف، والقتل، والخطف، والتعذيب، واستخدام كافة الوسائل الوحشية لردع المتظاهرين، والإحصاءات الواردة في كافة وسائل الإعلام، والتقارير الإخبارية تشير إلى أكثر من (18.000) معتقل في السجون يعانون من كافة وسائل التعذيب، و(500) قتيل بينهم (60) طفلاً وخطف العديد من السيدات، إضافة إلى عمليات الاغتصاب الممنهجة، وخطف عدد من الصحفيين، والإعلاميين، وإقفال العديد من الصحف ووسائل الإعلام، وقطع الإنترنت في أغلب المناطق، والمحافظات.. وهذه الانتفاضة لن تكون الأولى ولا الأخيرة، بل ستستمر لأن الشعب فاض به الكيل ولم يعد يتحمّل ما يجري، صبر ثم صبر، ثم صبر، حتى أنهك تماماً وفقد ثقته التامة في أن يجد حكومة تلتفت لشعبها، وتخرجه من أزماته لذلك انطلقت هذه المظاهرات الأخيرة في أكثر من (70) مدينة وقرية، وانطلقت من مشهد أكبر المدن الإيرانية بعد طهران، وأكثرها محافظة، وهذه المظاهرات الأخيرة أحدثت حالة ارتباكاً غير متوقعة لدى النظام بدليل أن المسؤولين احتاروا في من ينبغي توجيه الاتهام له، فمرّة وجهوه إلى وكالة الاستخبارات الأمريكية، ومرّة إلى تنظيم الدولة «داعش» وثالثة إلى الموساد، ورابعة، وخامسة، وسادسة إلى المعارضة، والسعودية، ورضا بهلوي «ابن شاه إيران» وسابعةلى قنوات المعارضة في الخارج ومجاهدي خلق، لكنها لم تهتم كثيراً بالأسباب الحقيقية التي أدت إلى كل ما يجري، إذ إن الأرضية في المجتمع الإيراني كانت مهيأة تماماً لمثل هذا التحرك، فهناك أزمة معيشية، وهناك يأس من حل هذه الأزمة، وهناك معلومات تتزايد عن فساد حكومي مستشر، لهذا فمن الطبيعي أن تقوم هذه الاحتجاجات وتستمر طالما أن النظام الإيراني مستمر في إصراره على عدم الاعتراف بالأسباب الحقيقية التي أدت إلى هذه المظاهرات.. ولكن الحكومة في واد، والشعب في وادٍ آخر، ومشكلة هذا النظام الكبرى هو أنه بحكم طبيعته الديكتاتورية، والمذهبية الصرفة غير قادر على التجديد، فأي عملية تحديث قد يدخلها النظام على أركانه تفسر على أنها محاولة لهدم السلطة الدينية للمرشد ومؤسساته، حيث العلاقة بين النظام السياسي الإيراني وعمليات التحديث، والتطور السياسي، والاقتصادي علاقة صفرية بامتياز، وتوسيع المشاركة السياسية لكافة فئات الشعب الإيراني عملية تقويضيّة للوجه المذهبي والقومي للدولة الإيرانية، وتحسين الفرص الاقتصادية يمثِّل ضربة قوية لمفهوم الاقتصاد المقاوم، وتخفيف الضوابط الاجتماعية المتعلقة بحقوق الإنسان وحرياته الشخصية.. وفي رأيي المتواضع أن هذا المظاهرات لن تنتهي عند هذا الحد وستكون حاسمة، إذ إن الشعب فاض به الكيل ولم يعد لديه صبر وهو يريد الخلاص بكافة الوسائل والسبل للخروج من كهوف هذه الحكومة الكهنوتية، وإن غداً لناظره قريب.