حاورها - ماجد البريكان:
رسمت الدكتورة دعاء ميرة صورة نموذجية لبرامج جودة الحياة في المملكة، وقالت إن الدولة بالتعاون مع القطاع الخاص، تفعل هذه البرامج بشكل علمي مدروس، لتحقيق كافة الأهداف المرجوة من مبدأ «جودة الحياة»، الذي وعدت بتنفيذه رؤية 2030 .
دعاء عرَّفت برامج «جودة الحياة» بأنها القدرة على الاستمتاع بالظروف المادية والإحساس بحسن الحال، وإشباع الحاجات، والرضا عن الحياة، مشيرة إلى أنه يندرج ضمن هذا التعريف أمور عدة من شأنها تسهيل المعيشة على المواطن والمقيم، مثل تعزيز الصحة العامة، وتطوير الأنظمة، وتسهيل الإجراءات، والنقل، والأمن، والبيئة الاجتماعية، والتصميم الحضري والبيئة، الرعاية الصحية، والتعليم والفرص الاقتصادية، وصولاً إلى تأمين جودة حياة لسكان المملكة وزوارها، ووصول نسبة التملّك للوحدات السكنية للمواطنين إلى 70 % بنهاية عام 2030 .
وفي حوارها معنا، لم تغفل الدكتورة دعاء دور برامج جودة الحياة التي تقوم بها الجهات الحكومية وجهات القطاع الخاص، لرفع مستوى الوعي لهدف دعم الاستدامة ونشر مختلف الممارسات الإيجابية. وقالت إن شمولية اهتمام هذه البرامج وصل إلى حد التوصية بالمشي نصف ساعة يومياً، والبوح بالمتاعب، وتعلّم مهارات أو هوايات جديدة.
وهنا نص الحوار كاملاً:
* في البدء دكتورة دعاء.. نريد مختصراً لدراستك الأكاديمية والشهادات التي حصلت عليها في مسيرتك العملية؟
اعمل مستشاراً في الموارد البشرية والتطور التنظيمي وثقافة المنظمات، مالك ومؤسس لشركة «انلايت» للاستشارات الإدارية والابتكار، حاصلة على ماجستير عام في الإدارة وماجستير آخر ودكتوراه في إدارة الموارد البشرية من جامعة مانشستر ميتروبوليتان في المملكة المتحدة، وكان بحث الدكتوراه يركِّز على ممارسات الموارد البشرية وعلاقتها بالالتزام الوظيفي والرضا الوظيفي للموظفين في قطاع التعليم في المملكة.
100 مدينة
* إذا أردنا تعريفاً مبسطاً لجودة الحياة يستوعبه المواطن العادي.. فماذا تقولين؟
* إن جودة الحياة تتضمن الاستمتاع بالظروف المادية والإحساس بحسن الحال، وإشباع الحاجات، والرضا عن الحياة إلى جانب الصحة الجسدية والنفسية الإيجابية، وإحساس الفرد بمعنى السعادة، وصولاً إلى عيش حياة متوافقة بين جوهر الإنسان والقيم السائدة في المجتمع.
* كيف ترين ملامح برامج جودة الحياة في المملكة وفق أهداف وتصورات رؤية 2030؟
* تم إطلاق برنامج جودة الحياة ضمن رؤية 2030 الذي يسعى إلى هدف طموح، وهو جعل المملكة أفضل وجهة للعيش لكل من المواطنين والمقيمين. ومن ضمن أهدافه هو جعل ثلاث مدن سعودية ضمن قائمة أعلى 100 مدينة أكثر ملاءمة للعيش بحلول 2030 . هذا ويلتزم برنامج جودة الحياة بتشجيع الابتكار من خلال تطوير الأنظمة والخطط للتركيز على المواهب والكفاءات والاستثمار فيهم بمختلف المجالات من أجل هدف واحد، وهو تأمين جودة حياة رفيعة لسكان وزوار المملكة.
ومن أبرز البرامج التي تدعم تحقيق ذلك هو برنامج الإسكان الذي يهدف إلى وصول نسبة التملك للوحدات السكنية للمواطنين إلى 70 % بنهاية عام 2030 . وفي مطلع هذا العام قد ارتفع معدل تملّك المساكن بالمملكة إلى 62 % بفضل برنامج الإسكان، مما يعطي دلالة إيجابية على حجم المجهودات القائمة على نجاح برامج جودة الحياة في المملكة.
فرص الاقتصاد
* ما هي المجالات التي تستهدفها برامج «جودة الحياة» في المجتمعات البشرية؟
* تقوم برامج جودة الحياة حول العالم بالاعتماد على ركيزتين؛ الأولى: هي قابلية العيش، وتشمل مشروعات البنية التحتية، وكل ما يندرج تحتها من المشروعات التي تتطلَّب أوقاتاً طويلة لتنفيذها، وأهمها النقل، الأمن والبيئة الاجتماعية الإسكان والتصميم الحضري والبيئة، الرعاية الصحية والتعليم والفرص الاقتصادية.
أما الركيزة الثانية فتستهدف نمط الحياة، وتشتمل على المشروعات سريعة التنفيذ والأثر، مثل استضافة فعاليات ترفيهية ورياضية وثقافية عالمية، وتهيئة الأجواء في الملاعب لتحسين تجربة الحضور، وتطوير قطاع المطاعم والمقاهي.. وتشمل عدة قطاعات مثل الرياضة، التراث والثقافة والترفيه.
* لو ركزنا حديثنا على جودة الحياة الوظيفية.. فما هي أوصافها ومعاييرها وتأثيراتها في بيئات العمل؟
* كما ذكرنا، فإن هناك عدة مصادر تؤثّر في جودة الحياة منها مجال العمل، فالعمل جزء جوهري في حياة الفرد، فهو إلى حد كبير ما يعطيه المكانة، ويؤدي إلى إشباع حاجاته ورغباته ويربطه بالمجتمع، ويوثّر على جوانب مختلفة من حياته الاجتماعية، والنفسية، والأسرية، والاقتصادية.. وحيث إن للوظيفة أهمية قاطعة في السعادة النفسية للفرد، فقد تمت العديد من الدراسات حول العلاقة بين طبيعة العمل وجودة الحياة مثل ظروف ودوافع العمل وشعور الفرد بالرضا والارتياح في بيئة العمل، مما يمكن أن ينعكس على إنتاجه وتحصيله. هذا وتتمثَّل معايير جودة الحياة الوظيفية بدرجة رضا الفرد عن مهنته وحبه لها والقدرة على تنفيذ مهام وظيفته، وقدرته على التوافق مع واجبات عمله، وشعوره بالأمان الوظيفي ومدى مشاركته في اتخاذ القرارات. ومن المهم أيضاً التشديد على ضرورة توفير الدعم من قبل المدراء والإدارات العليا وتبني إستراتيجيات لخلق بيئة عمل إيجابية داعمة للموارد البشرية داخل المنظمة من خلال إنشاء برامج تطويريه وتوفير فرص الترقية والتدريب العملي وفتح باب التفاعل الاجتماعي بين الزملاء.
ويمكن معرفة مستوى الرضا الوظيفي من خلال قياس معدلات التغيب والاستقالة ونسبة الحوادث، واستطلاع مستوى الرضا المهني داخل المنظمة.
الترفيهية والرياضية
* ماذا تحقق بالفعل من أهداف وتصورات تلك الرؤية.. وما هي الأهداف التي ستتحقق مستقبلاً؟
* لقد تمكن البرنامج من فتح آفاق جديدة لقطاعات جودة الحياة، فكما ذكرت، فمنذ إطلاق البرنامج عام 2018 تم إنجاز العديد من الأهداف لتحسين جودة حياة المواطن مثل تنظيم الفعاليات الترفيهية والرياضية والثقافية المحلية والعالمية، مثل استضافة سباق الفورميلا 1، وافتتاح عدد من المتاحف والمعارض الثقافية، وتسهيل الحصول على التأشيرة السياحية لزيارة المملكة، وجعل مدينة العُلا واجهة سياحية ذات طابع مختلف مع الحفاظ على تراثها العريق.
كما يعمل البرنامج على تمكين الهواة، ودعمهم، وتسهيل إجراءات إصدار تراخيص أندية الهواة لمختلف الأنشطة، مما ينعكس ايجابياً على مستوى الفرد والمجتمع. أما على الصعيد تدريب وتأهيل الكوادر البشرية، فقد استثمر في العديد من قطاعات جودة الحياة المختلفة، وأطلق العديد من الأكاديميات والمعاهد والبرامج التي تُعنى بتطوير المواهب، مثل برنامج تطوير صنَّاع الأفلام، وأكاديمية «مهد» الرياضية، وتقديم المنح الدراسية للطلاب والطالبات للدراسة في المعاهد العالمية لدراسة فنون الطهي والثقافة في أعرق المؤسسات التعليمية حول العالم.
ومن المتوقع استمرار هذه المساعي في جميع القطاعات المذكورة من أجل تحسين المشهد الحضري والارتقاء بالبنية التحتية والخدمية لجعل المملكة من أفضل دول العالم للعيش.
الأرقام الإيجابية
* من وجهة نظرك.. كيف تتوقعين التأثيرات الإيجابية لبرامج «جودة الحياة» على نفسية المواطن ورؤيته العامة للمستقبل؟
* من الملاحظ أن العديد من الدول تقيس مستوى السعادة لدى الفرد، وتربط بينها وبين معايير جودة الحياة المتوفرة في هذه الدول، ويتم اعتبار ذلك مقياساً للتأثير الإيجابي المنتظر. وبالأخذ بالاعتبار جميع الجهود المبذولة تحت برامج جودة الحياة منذ عام 2018 فإننا نجد أن المملكة قد احتلت المرتبة الثالثة بين الدول العربية لمؤشر السعادة في تقرير السعادة العالمي لعام 2022، وارتفع متوسط العمر لمتوقع في المملكة من 74.8 إلى 75.6 بين عامي 2016-2020 . جميع هذه الأرقام الإيجابية تدعو المواطن للتفاؤل والنظر للمستقبل بشكل إيجابي.
دعم الاستدامة
* يدعونا السؤال السابق إلى الحديث عن الدور الذي ينبغي أن تقوم به مؤسسات الدولة والمواطن لتعزيز برامج جودة الحياة ودور الوعي في تفعيلها؟
* يقوم المعنيون ببرنامج جودة الحياة بتنظيم العديد من ورش العمل، بالتعاون والتنسيق مع عدة جهات حكومية وجهات القطاع الخاص، لرفع مستوى الوعي لهدف دعم الاستدامة ونشر مختلف الممارسات الإيجابية من قبل كل من هذه القطاعات، فقد تقوم الجهات الحكومية بتعزيز دورها من خلال المشاركة في المؤتمرات المتعلقة بهذا المجال ودعم الأبحاث والمبادرات وفتح المجال أمام الاستثمارات في قطاعات جودة الحياة المختلفة. كما يمكن للفرد المساهمة من خلال التفاعل الإيجابي مع قطاعات برنامج جودة الحياة من خلال اتباع أنماط إيجابية على مستوى الصحة الجسدية والنفسية وإدراجها ضمن أسلوب الحياة بشكل تدريجي، مثل المشي نصف ساعة يومياً، البوح بالمتاعب، تعلّم المهارات أو هوايات جديدة، الاندماج في الصداقات وعدم الانعزال والتقليل من استخدام وسائل التواصل الاجتماعي ومحاولة العيش في نسيج اجتماعي صحي.
برامج إرشادية
* دعينا نركز على دور دراسات الإرشاد النفسي الإيجابي السعودية في تحقيق جودة الحياة. وما حققته من نتائج على أرض الواقع؟
* عندما نتحدث عن جودة الحياة ومبادرات الدولة، فإننا لا نعني الجانب المادي فقط، بل الجانب النفسي أو ما يُسمى بجودة الحياة النفسية التي قامت الحكومة مشكورة بقطاعاتها المختلفة بالمساهمة من خلال وضع برامج إرشادية علاجية، تركز على الخبرات التي من شأنها زيادة جودة الحياة لدى الأفراد مثال على ذلك خدمات الصحة النفسية المجانية المقدمة من وزارة الصحة، من خلال توفير مراكز الرعاية الصحية الأولية، ومركز اتصال رقم (937) لتقديم الاستشارات النفسية والعلاج النفسي وتطبيق «قريبون» وإطلاق منصة عش بصحة وهي المنصة الرئيسية للتوعية الصحية بوزارة الصحة.