الإعلام الصهيوني يعمل دائماً وفق رؤيا إعلامية إستراتيجية، تستهدف تسويق (المستعمرة الإسرائيلية) لدى العالم ولدى المحيط العربي، على أنها دولة ديمقراطية طبيعية ونموذج يحتذى، تكتسب مشروعيتها من ادعاءاتها الأسطورية باعتبار أرض فلسطين (أرض الميعاد التي وعدَ الربُّ بها بني إسرائيل) ويلحق بذلك ادعاء تاريخي مزيف بأن فلسطين هي أرض اليهود منذ أكثر من ألفي سنة وأنهم أقاموا فيها دولتهم قبل التشتت والتشرد، لمنح نفسها مشروعية اغتصاب فلسطين، ويأتي السند الأخير في أحقية (دولة إسرائيل) بالنشوء إلى الدور الاستعماري الغربي الذي اعتمد قيام هذا الكيان على إقليم فلسطين وعمل لتنفيذه وفق احتياجاته الإستراتيجية في الهيمنة على المنطقة العربية، فاستغلت الدول الاستعمارية هيمنتها وقوتها على النظام الدولي الذي فرض عقب الحرب العالمية الأولى (عصبة الأمم) وعقب الحرب العالمية الثانية (الأمم المتحدة) واستصدار القرارات التي تسبغ عليه (مشروعية قانونية) في حقيقتها باطلة وظالمة في منح هذا الكيان شهادة ميلاد فوق أرض فلسطين.
تلك هي مرتكزات الإعلام الصهيوني في تسويق وجوده ومشروعيته، ومن ثم تقديم نفسه على أنه يمثل التعويض الأخلاقي عما لحق اليهود من اضطهاد تاريخي وخاصة في أوروبا على يد النازية والحركات اللاسامية فيها... دون النظر لما يخلفه هذا الحل للمسألة اليهودية من مأساة للشعب الفلسطيني لا تقل مأساة بل تزيد عن مأساة ضحايا النازية والاضطهاد الأوروبي لليهود عبر التاريخ..
هذا الكيان الصهيوني هو نتاج وإفراز استعماري عدواني من الحركة الاستعمارية الغربية التي استهدفت فلسطين خاصة وبلاد العرب عامة منذ مطلع القرن العشرين، ووجوده واستمراره سيبقى مرتبطاً بأهداف وغايات ورغبات المصالح الغربية الاستعمارية من أوروبا إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وفي سياق جدلية الصراع العربي الإسرائيلي، يسعى الإعلام الصهيوني إلى إحداث اختراقات للموقف العربي، بهدف دمج نفسه في المنطقة العربية والقبول به ليس كمجرد أمر واقع بفعل القوة والاغتصاب، وإنما من خلال إمكانية نسج علاقات مختلفة.
لقد جاء مونديال قطر 2022 م ليكشف للقاصي والداني عن فشل الكيان الصهيوني في تسويق نفسه في الأوساط الشعبية العربية وأظهرت الجماهير العربية المتابعة لمباريات المونديال رفضها المطلق للتعامل مع أجهزة إعلامه التلفزيونية وغيرها وتأكيد من كان يرغب أن يجري معهم بعض المقابلات واللقاءات ليس مجرد الرفض فقط، وإنما التأكيد من قبلهم (على عدم وجود شيء اسمه إسرائيل) والتأكيد على اسم فلسطين فقط، وهكذا رفعت الجماهير العربية والرياضيون العرب المشاركون في المونديال أعلام وشارات فلسطين في كافة مباريات المونديال من قبل الفرق العربية ومن قبل المتابعين، وبذلك خسرت إسرائيل وفازت فلسطين وقضيتها وحافظت على مكانتها لدى الشعوب العربية كافة.
إن وعي الشعوب العربية عصيٌّ على السقوط والاختراق .. فلسطين فيه هي فلسطين ولها مكانتها المركزية في الوعي العربي، والكيان الصهيوني لن تتغير نظرة المواطن العربي إليه فهو كيان غاصب ومستعمر ومرفوض مهما وقع من اتفاقات مع بعض الدول قد تكون قد أملتها بعض ظروف المرحلة، وهنا يكمن الرهان على استمرار رفض الكيان الصهيوني من المواطن العربي وبالتالي استحالة دمجه في المنطقة العربية.
رغم كل ذلك فإن أجهزة الإعلام الصهيوني ستواصل العمل على زرع بذور الشك في ثبات هذه المواقف العربية من خلال سياق ما يبث من إعلام كاذب ومضخم، فلابد من التعامل معه بكامل الحذر واليقظة وتفويت الفرصة عليه من تحقيق أهدافه وغاياته منها، الساعية إلى بذر بذور الشقاق في الوسط العربي، إن جبهة الوعي لها دورها المركزي الهام في الصراع العربي الإسرائيلي وفي مواجهة العدوان وفي رفض الكيان الصهيوني، وفي الحفاظ على الحقوق والثوابت الوطنية والقومية والعربية في فلسطين.
** **
- عضو المجلس الوطني الفلسطيني
Pcommety@hotmail.com