د. هيا بنت عبدالرحمن السمهري
صدر عن مركز عبدالرحمن السديري الثقافي إصدار فاخر يحملُ في ثناياه محطات وطنية مضيئة امتدتْ إلى المحافل والمنظمات الدولية والكتاب بعنوان [عبدالمحسن بن محمد السديري، سيرة وتجربة دولية]، وقد زخُرَتْ ثنايا الكتاب بشخصية امتلأت عروقها بالإخلاص والعزيمة والجد، كما أن الكتاب سِفرٌ يزخرُ بمسيرة مكتنزة بالثقة والصدق وموجزهُ «استقراء الفُرص والتركيز والنظرة المستقبلية التي تقوم على ربط المقدمات بالنتائج والإستراتيجيات بالأهداف»!
كما أن الكتاب ذو وزن ومعني (336) صفحة واحتوى على تسع مقدمات وتسعة فصول وخاتمة وملاحق ومجموعة من الصور التوضيحية والإحصاءات الرقمية الدقيقة ذات الدلالة.. ولقد سبر المؤلف خلال سرد الكتاب البعد التاريخي والبعد الاجتماعي مما جعلنا نطلُّ بفخر على البعد التوثيقي والاستشرافي لصدى تلك السيرة في الكتاب.
ولقد قرأنا الكتاب بشغف؛ واستوقفتنا خلاله مواقف الاستحقاق للأوليات التي حازها صاحب السيرة «السفير عبدالمحسن السديري» كما يعطينا الكتاب في ثناياه جرعات غزيرة من الخبرات المتنوعة في التجارب الدولية؛ ولأن مؤلف الكتاب الأستاذ أحمد العساف أراد غرس قناعاتنا حول الكتاب الذي يضمُّ سيرة السفير السديري ذي الرئاسات! فقد استفتح الكتاب بحديث الفراسة التي تربعتْ ممهورة بخاتم صاحب السمو الملكي الأمير تركي الفيصل.
ففي تلك الافتتاحية التي فاضتْ أمام القارئ أنهار الإدارة التي قاد مفاصلها بكل اقتدار السفير السديري وبترشيح دولي أجمعتْ عليه المنظمات الدولية قرأنا أجماعًا على تفرد تلك الشخصية.. وكان المؤلف يُبرزُ سرد السيرة في الكتاب على هلالين مضيئين، فعندما يكتبُ عن ذات السفير عبدالمحسن السديري وتشكيل شخصيته يتهادى الأسلوب بين يديه فهو يكتبه وقد امتلك زمام الظفر حيث تأثير الأسرة العريقة، والبيئة الزراعية، وقطار التعليم الذي اعتلى صاحب السيرة مراكبه محلياً وفي أعرق الجامعات العالمية، وقبل ذاك الاعتماد على الذات واستقلالية الشخصية والجدية وقوة العزيمة، والدافعية والطموحات دون حدود!
ففي كل صفحة نقرأ وهجًا مجتمعيًا مبهرًا قد يكون من نوادر ذلك العهد في البدايات، أما الحديث عن سيرة السفير السديري وحضوره الدولي في الدول الصديقة والشقيقة التي مثَّلَ فيها وطنه سفيرًا [في مملكة هولندا، وجمهورية السودان] وحضوره المجزي في المنظمات الإقليمية والدولية، فقد كانت تلك السنوات رئة الكتاب وصيده الثمين، فقد حمل لنا المؤلف النموذج الأجدر والتصدر الأميز، فالسفير عبدالمحسن السديري كان أول سعودي ينتخب لإدارة منظمة دولية [الصندوق الدولي للتنمية الزراعية؛ «الإيفاد»]، وكان أول رئيس بعد إنشاء الصندوق في عام 1398 هجري/ 1977م وأُعيد ترشيحه مرتين إلى عام 1984، واصطفت مصطلحات القيادة في حديث الكتاب عن قيادة تلك المنظمة الدولية حيث تجلّت في الكتاب قدرة السديري على التفاوض والحماس للأفكار الداعمة للمشاريع التنموية والنهوض لها والإيمان بها وإقناع الآخرين بها وتخفيف حدة المعارضة والتوازن في الرأي وتقدير الأمور .
وقبل رئاسته للصندوق الدولي للتنمية الزراعية بسنوات كان السديري ممثلاً لبلادنا [المملكة العربية السعودية] في منظمة الأغذية والزراعة «الفاو» فانثالتْ في الكتاب عبارات التمكن والمقدرة وصواب القرار وعزيمة التنفيذ، وهنا التفتَ مؤلف الكتاب إلى وصف المحافل الدولية وما يجولُ في قاعات الاجتماعات وصفاً حياً فحضرنا معه في كل شئون تلك المنظمات الدولية الداعمة إنسانياً! وسمعنا فحوى الكلمات التي وقف السفير السديري على المنابر الدولية لإلقائها كمسئول دولي دائماً ما يواصل العمل نحو المستهدفات دون الالتفات إلى تسطير قصة العمل!
فيبدو أن مؤلف الكتاب جعل من ذلك السرد التاريخي الوصفي لمفاصل المسئوليات الدولية التي قادها السديري وثائق تقديم لشخصية صاحب السيرة، كما أنه حمَّل تلك الصفحات الزاخرة بالعمل والأمل جزءًا من مسئوليات تغطية ما تستحقه تلك الشخصية من إبراز وظهور كنموذج وطني فريد، كما وضح أمام المتلقي في ثنايا كتاب السيرة أنها قامت على أطواد ثلاثة الفخر بالوطن والإيمان بدوره العالمي والدبلوماسية السعودية المتينة التي أشرقت في أرجاء العالم، ومن هنا تجلّت في الكتاب حكاياتٍ وطنية فاخرة لا تنتهي ولا يمكن أن نعزل شجنها وبرودها المتينة عن تراب الوطن، وكما أن هذه السيرة الوطنية ملهمة للأجيال ولمن يمثلون الوطن في المنظمات الدولية فنأمل أن تؤسس هذه السيرة الدبلوماسية البكر وما يشاكلها لنوع جديد من الدراسات الأدبية تحت مسمى [الأدب الدبلوماسي] باعتبارها معطى معرفيًا قابلاً للدراسات العلمية في الجامعات السعودية!!