سلمان بن محمد العُمري
ليست المواقف وحدها هي من تغير سلوك وطبائع واهتمامات البشر ومواقفهم، ويمكن لنصيحة واحدة أن تغير حياة، ويؤكد ذلك التجارب الشخصية لعدد من الناجحين والمبرزين الذين تغيرت حياتهم بعد سماعهم لنصيحة أو توجيه مباشر أو غير مباشر من شخص يحمل الحكمة والتجارب فحرك بكلماته القلوب قبل الجوارح وغير مسارات عدد من الناس، وقد تكون هذه الكلمات والنصائح من المقربين كالوالدين وغيرهم أو حتى البعيدين، وربما سمع البعض بقصة الإمام الكسائي - رحمه الله- فقد كان راعياً للغنم حتى بلغ 40 عاماً وفي يوم من الأيام وهو يسير رأى أمّاً تحث ابنها على الذهاب إلى الحلقة لحفظ القرآن الكريم، والولد لا يريد الذهاب، فقالت لابنها:
يا بني اذهب إلى الحلقة لتتعلم حتى إذا كبرت لكي لا تكون مثل هذا الراعي!!
فقال الكسائي: أنا يضرب بي المثل في الجهل!!
فذهب فباع أغنامه وانطلق إلى التعلم وتحصيله فأصبح إماماً في اللغة، إمامًا في القراءات، ويضرب به المثل في العلم وكبر الهمة.
- الجواهر والدرر لابن حجر -
ومن الطبيعي أن تأنس النفوس إلى البعض ممن يمتلك التجربة والخلق الرفيع في آن واحد وتنفر ممن لا خلاق له ولا تتقبل منه شيء حتى وإن كان لديه من الخبرات والتجارب والفوائد الشيء الكثير.
وقد تكون الاستفادة من التجربة غير مباشرة ولم يلتق المستفيد من الناصح وصاحب التجربة مطلقاً، وربما كان بينهما عشرات بل مئات السنين، وذلك حينما تكون التجربة والكلمات المستفيدة للمتلقي قد وثقت في كتاب، والكتب على الرغم من قلة القراء في الآونة الأخيرة إلا أنها خيار أفضل لتوثيق التجارب والخبرات، ويأتي في هذا الوقت الإعلام البديل من خلال الصفحات والمواقع والمنصات عبر وسائط التواصل التي تحتوي مضامين هادفة يمكن أن تفيد في مجالات متعددة، وفيها محتويات حافلة وغنية وثرية.
والحكمة ضالة المؤمن أنَّا وجدها عمل بها وليس بالضرورة أن تكون التجربة والنصيحة والفوائد محصورة على كبار السن، ولذا تحرص كثير من الجمعيات والنقابات والرابطات المهنية في الخارج إلى عقد وتنظيم لقاءات مفتوحة لزملاء المهنة يتحدث فيها أصحاب التجارب والخبرات إلى جانب المبرزين الحاليين المهنة ويقدموا خبراتهم وتجاربهم لزملائهم الأعضاء في لقاءات منتظمة بل وتوثق هذه التجارب ويتم طباعتها أو نشرها إلكترونياً عبر المواقع، إضافة إلى التوثيق الإعلامي للقاء وتصويرها وبثها في حينه، ووضع روابط لها في مواقع الجمعيات والمؤسسات.ويبقى السؤال المهم: ما دور جمعياتنا ومؤسساتنا والروابط المهنية في الاستفادة من خبرات المتخصصين، وما مدى توظيف هذه الخبرات والتجارب وتحبيرها ونقلها للمتخصصين المبتدئين؟
للأسف أن البعض بل الكثير ما زال متنكراً لكل ماضٍ، ويرى فيه التخلف والبدائية وأن أفكارهم وتجاربهم لا تناسب هذا العصر ولا مرحلة التطوير والتحديث.
إن عصارة تجارب الأوائل وأفكارهم الإيجابية لا تقف فوائدها عند أهل التخصص فقط بل إن نجاحهم سيبقى محفزاً وملهماً للجميع، ومن الكتب الجميلة والمحفزة والملهمة التي قرأتها كتاب:«لو كان بإمكاني إخبارك شيئاً واحداً فقط»، وهو كتاب أجرى فيه مؤلفه ريتشارد ريد لقاءات مع أشخاص بارزين في المجتمع الأمريكي ونصائحهم الأثمن للقراء من خلال تجاربهم العلمية والعملية في الحياة، والكتاب مترجم للعربية في على 2018، وكم نحن بحاجة إلى مثل هذه الكتب في مجتمعنا التي تجمع من الخبرات والتجارب والفكر الديني المتزن وما يناسب مجتمعاتنا وعاداتنا وتقاليدنا، وقبل ذلك ما يوافق ديننا ولا يخالفه، وخاصة في هذا الوقت الذي أصبح فيه الناس يتلقون النصائح والتوجيهات من بعض مما يسمى بالمشاهير وهم ممن عرف عنهم السذاجة والسطحية، وعدم التفوق العلمي والعملي ونجحوا في التهريج أو المواقف السلبية التي منحتهم المزيد من الأضواء ليصبحوا بين عشية وضحاها هم القدوات للشباب والشابات، وصاروا هم حديث المجتمع بل والمقدمون في كثير من المناسبات الرسمية والخاصة!!.