الرياض - خاص بـ«الجزيرة»:
حرم الله سبحانه وتعالى الظن حتى لا يقع المرء في أعراض الناس فيأثم، والشك وسوء الظن علامة على قلة الإيمان لأن الإيمان القوي حصن حصين لصاحبه بكل ما يخل بسلوكياته ومعتقداته.
وقد انتشرت -مع الأسف الشديد- مثل هذه الأخلاق السيئة، وتهاون بعضهم في استعجالهم في الحكم على الناس بالظن السيئ مما أوجد الضغينة والعداوة والبغضاء في المجتمع، مما يستوجب ضرورة الحد من هذه السلوكيات المشينة.
«الجزيرة» التقت عددا من المختصين في العلوم الشرعية والتربوية لاستطلاع رأيهم حول ذلك، وكانت على النحو التالي:
توعية المجتمع
يرى الدكتور صالح بن عبدالعزيز الغليقة أستاذ الفقه بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية أنه للحد من هذه السلوكيات المشينة: توعية الناس بحكم سوء الظن، وأن الله جل وعلا نهى عنه وأمر باجتنابه تعد من أهم الأسباب والطرق للحد من ظاهرة سوء ظن المسلم بأخيه المسلم؛ فعندما ينشر بين الناس قول الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ؛ فهذا نداء من الخالق جل وعلا لعباده المؤمنين باجتناب كثير من الظنون، ولاشك أن من جملتها الظن السيئ الذي لم ينشأ عن أدلة حقيقية صريحة.ومما ينبغي أن يعرفه المسلم لتجنب سوء الظن أن يدرك أن سوء الظن سبب للوقوع في معاصٍ أخرى كالتجسس والغيبة، ولذلك قرن الله النهي عن سوء الظن بنهيه عن التجسس والغيبة، فقال تعالى بعد قوله: إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ قال: وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا ، وثبت في الصحيحين من حديث أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث ولا تحسسوا ولا تجسسوا ولا تناجشوا ولا تحاسدوا ولا تباغضوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخوانا».
فتبين بذلك أن التَّجَسُّس من آثار الظن؛ لأن الظن يبعث على التجسس حِينَ تَدعُو الظّانَّ نَفْسُهُ إلى تَحقيق ما ظَنَّهُ سِرًّا فَيَسلك طريق التَّجسس فحذرهم الله من سُلُوكِ هَذا الطريق.
ومما يردع المسلم أيضا عن سوء الظن بإخوانه المسلمين؛ معرفته بأن الظن السيئ سبب للوقوع في الإثم إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ .
وسبب كونه إثماً ما ينشأ على ذلك الظن من عمل أو مجرد اعتقادٍ؛ فالعمل كالاغتياب والتجسس، وحينها فليقدر الظان أن ظنه كذب ولينظر في آثار هذا الظن الكاذب وما سببه من اتهام بالباطل لأخيه المسلم، وما أوصلته هذه الظنون من سوء المعاملة للمظنون، وكفى بهذه الأمور إثما.
وأما إن لم ينشأ عن الظن السيئ إلا مجرد اعتقاد فقط فقد استقر حينها في قلب الظان من التهمة للمسلم، وعليه أن يقدر كذب ظنه وخطئه ليصرف عن نفسه الوقوع بآثار الظن وتبِعَاته.
ودعا د. الغليقة المصلحين في المجتمع إلى توعية الناس بأحكام سوء الظن وآثاره فإن هذه التوعية أيا كانت وسيلتها فإنها من أقوى الأسباب - في نظري - للحد من انتشار هذا الخلق السيئ في المجتمع المسلم.
ثقل عظيم
ويقول الدكتور بدر بن محمد المعيقل عميد كلية الشريعة والقانون بجامعة الجوف سابقاً، رئيس لجنة الإصلاح الأسري بإمارة منطقة الجوف:
لعلي أركز في قضية سوء الظن على ما يعتري صاحبها والمبتلى بها من هم كبير وثقل عظيم حمل نفسه إياه هذا المسكين دون أن يحمله أحد به، ألا وهما: الفضول والتطفل، والتجسس والتحسس المبني على ذلك، وكلاهما داءان عضالان وبيلان، يتمثل حلهما أولاً: بالتجرد عن الاهتمام بنقائص الآخرين، والنظر إلى نقائصك، ومعرفة أن الله حيي ستير، ومعرفة ما قاله رسولنا الكريم- صلى الله عليه سلم- (لا تشمت بأخيك فيعافيه الله ويبتليك) وتطبيقه واقعا عمليا في حياتنا، إذ مآل سوء الظن: الشماتة قطعا، عياذا بالله منها ومن أهلها، ثم: عدم الحكم على المظاهر فقط، فكم من أحد ظاهره خلاف باطنه، والعبرة بأعمال القلوب، والخبايا والخفايا التي بين الإنسان وخالقه، والأدلة على ذلك من كتاب الله وسنة رسوله كثيرة وفيرة؛ فنعوذ بالله من سوء الظن وأهله.
نبذ التفرق والاختلاف
ويؤكد الدكتور عبدالرحمن بن سعيد الحازمي المستشار في رابطة العالم الإسلامي: إن المسلم العاقل سليم القلب لا يظن في أخيه المسلم إلا خيراً، وتجده دائماً يقدم حسن الظن في الغالب الأعم على سوء الظن، إلا إذا ظهر له ما يجعله يسيئ الظن بما يعرف من هذا الشخص من سوء في الأخلاق والطباع، أو هناك قضية ومشكلة كبيرة وعلى درجة من الأهمية تجعل سوء الظن مقدماً على حسن الظن.
قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ (12) سورة الحجرات، وقال تعالى: لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُّبِينٌ (12) سورة النــور.
وقد جاء في الحديث الشريف عن أبى هريرة - رضي الله عنه - عن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال: «إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ، فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ، وَلَا تَحَسَّسُوا وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا تَنَاجَشُوا وَلَا تَحَاسَدُوا وَلَا تَبَاغَضُوا وَلَا تَدَابَرُوا، وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا».
إن سوء الظن يصور للمرء أموراً كثيرة من إلحاق التهم بأخيه المسلم، وتزداد يوماً بعد يوم حتى يصبح عنده عدواً لدوداً، ثم يأخذ في التخطيط للقضاء على عدوه المزعوم، دفاعاً عن نفسه وثأراً لها، ويعد كل ما في استطاعته للإضرار به، حتى يستحكم النزاع ويصل إلى ما لا تحمد عقباه من الفتن.لقد اشتغل كثير من المسلمين بعضهم ببعض، اتهاماً ودفاعاً ونسوا الواجب الذي كلفهم الله إياه، وهو الفقه في الدين والعمل به والدعوة إليه والجهاد في سبيل الله، واجتماع الكلمة ونبذ التفرق والخلاف.
ولا شك أن المجتمع المسلم والإنسان المسلم إذا ترسم أخلاق النبي- صلى الله عليه سلم-، وتمسك بهديه وسيرته فقد وفق كل التوفيق، فانطلق صالحاً مصلحاً يسعى إلى نشر دين الله تعالى وعمارة الأرض بالخير والأمن والتقدم والرقي.