ولأن مكافحة وباء كوفيد 19 العالمي لا ينبغي أن تلقي بظلالها على العمل في مواجهة التحديات الاقتصادية الرئيسية التي تواجه المجتمع الفرنسي، فقد طلب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون من الخبيرين الاقتصاديين جون تيرول وأوليفيي بلانشار إنشاء لجنة مستقلة للكشف عن التحديات الاقتصادية الكبيرة المستقبلية، وقد أسفرت أعمال هذه اللجنة المكونة من أربعة وعشرين خبيراً اقتصادياً عن إعداد تقرير يتناول بالدراسة التفصيلية ثلاثة تحديات جوهرية تواجه الاقتصاد الفرنسي على وجه الخصوص والاقتصاد العالمي بشكل عام: تغير المناخ وانعدام المساواة والتغيير الديموغرافي.
يطرح هؤلاء الخبراء تصوراً لما ينبغي أن يكون عليه عمل اللجنة في هذا التقرير، وينطلق الخبراء من هذا التصور إلى طرح تساؤلات واقتراح إجابات شافية من أجل التصدي لما يعتبره هؤلاء الخبراء تحديات وجودية مستقبلية لأنه إذا لم يتم مواجهتها في الوقت الحالي فإن المخاطر التي سيتعرض لها العالم مستقبلاً ستكون كارثية.
يَرى الخبيران الاقتصاديان جون تيرول وأوليفيي بلانشار في كتابهما «التحديات الاقتصادية الكبيرة» أن تغير المناخ وانعدام المساواة والتغيير الديموغرافي كالقنبلة الموقوتة، ولأن آثار التدمير الناتج عن انفجار هذه القنبلة الاقتصادية على المدى القصير أقل بكثير من آثارها طويلة المدى، فعلى صانعي القرار ألا يتباطؤوا في معالجة تلك المشكلات الاقتصادية. علماً بأن تكلفة الاستجابة البطيئة لها تزداد بمرور الوقت. ومع ذلك، فلا تزال الحكومات مستمرة في تأجيل موعد اتخاذ القرارات الحاسمة.
السؤال البسيط الذي يطرح نفسه: كيف يمكن تبني الحلول الضرورية حتى ولو كانت مكلفة وليس لها مردود إيجابي على المدى القصير؟ يشير الخبيران الاقتصاديان جون تيرول وأوليفيي بلانشار إلى أهمية تبني مجموعة من الإصلاحات الاقتصادية التي تأخذ في الاعتبار التصورات والأبعاد المتعددة لهذه القضية المعاصرة.
فالتحديات الاقتصادية الثلاثة التي تواجهها فرنسا تعود إلى الطبيعة المعقدة للنمو الاقتصادي وللتقدم التكنولوجي باعتباره المحرك الرئيسي لهذا النمو الذي يُعد أحد أهم مصادر رفع مستوى المعيشة في فرنسا وأماكن أخرى من العالم.
ويشتمل هذا الكتاب على ثلاثة فصول:
الفصل الأول: تغير المناخ
إن الابتكارات التقنية في مجالات الكهرباء والنقل القائمة على الوقود الأحفوري أدت إلى زيادة انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بنسبة تزيد على عشرة أضعاف ما كان عليه في السابق. ولهذا فإن الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ GIEC تسلط الضوء على دور الأنشطة البشرية في تغير المناخ وعلى أهمية العمل من الآن فصاعداً على الحد من ارتفاع درجات الحرارة إلى مستوى 2 درجة مئوية مقارنة بعصر ما قبل الصناعة. من هذا المنظور، وبعد توقيع اتفاقية باريس في عام 2015، فقد حددت فرنسا لنفسها هدفًا يتمثل في أن تكون مُحايدة على مستوى صافي انبعاثات الكربون بحلول عام 2050. يجب على فرنسا أن تلتزم بسياسات طموحة ووضع معالم واضحة وذات مصداقية وبهذا يمكن لفرنسا وأوروبا أن تلعب دورًا رائدًا فيما يتعلق بالعمل المناخي الدولي.
الفصل الثاني: التفاوت الاقتصادي وانعدام الأمن: تدابير لاقتصاد شامل
يجب على فرنسا العمل على عدة جبهات وعلى مراحل مختلفة من أجل توفير وضع اقتصادي جيد للأفراد يتمثل في تكافؤ الفرص والحماية الاجتماعية وإعادة التوزيع العدل للثروات. فعلى الرغم من أن فرنسا تتمتع بوضع اقتصادي أفضل من معظم البلدان الأخرى إلا أنه يجب الاستفادة القصوى من عدد الفرص الاقتصادية وتوزيعها بشكل منصف.
الفصل الثالث: في مواجهة التغيير الديموغرافي: الشيخوخة والصحة والهجرة
إن شيخوخة المجتمع تعني إيجاد توازن عادل وفعال بين فترات العمل والتقاعد. لهذا بات من الضروري تحديث نظام التقاعد ودعم كبار السن في أنشطتهم. وهذا يشمل بشكل خاص تعزيز التدريب المهني والوقاية من الأمراض المزمنة وعلاجها. ولقد أدى التقدم التكنولوجي والذكاء الاصطناعي إلى اتساع نطاق انعدام المساواة وتقادم مهارات العمال الأكبر سنًّا، كما أتاح التقدم الطبي إطالة متوسط العمر المتوقع للأفراد لكن هذا التطور الإيجابي أحدث توترات في أنظمة المعاشات التقاعدية.
** **
د. أيمن منير - أكاديمي ومترجم مصري