حنان بنت عبدالعزيز آل سيف
هل شرَّقت المرأة وغرَّبت فوق ظهر الأرض، وفي أنحاء المعمورة؟ وهل فاقت رحلات الرجال دونهن من النساء؟ يحكي لنا التاريخ أسماء رجال نبغوا في فن الرحلة، وكانت لهم مصنفاتهم التي كشفت عن خريطة الترحال في حياتهم كما ينبئنا التاريخ بنساء قمن بفن الرحلة، وكان لهن سبق تقدم واكتشاف، فالمتتبع للتاريخ يقرأ عن أسماء نساء رحلن مع أزواجهن للتجارة أو لأداء مناسك الحج وزيارة الأماكن المقدسة، وسطر التاريخ عنهن مراسم تلك الرحلات، وتكشف لنا أساطير التاريخ أن المرأة على وقت الرحالة الشهير ابن بطوطة كان لها حرية اختيار السفر من عدمه، ولها حق رفض مصاحبة الزوج في هزجه ورجزه، مما يكون عاقبته الانفصال ووقوع الطلاق، كما حدث لابن بطوطة مع زوجته الهندية، وذلك بعد عزمه الرحيل عن مسقط رأسها الهند بعد أن عاش فيه ابن بطوطة ما يقرب من ثماني سنوات، ورفضت حق مصاحبته فطلقها، وأخبار السلاطين وقصص ترحالهم كثيرة.
فابن بطوطة يقدم وصفاً دقيقاً لسفرة السلطان محمد أوزبك سلطان الهند، أحد ملوك الدنيا السبعة وعظمائها. كيف أنه يأخذ خواتينه (زوجاته) معه في حله وترحاله، وكان يخبرهن، فتستعد من حالفها حظ اختيار الملك لها.
وتحدثنا كتب التراجم والسير عن أسماء نسائية نبغت في فن الرحلة وكانت مضرب مثل يشار إليه، ومن هؤلاء النسوة:
سكندربيكم
حاكمة بهوبال في الهند اعتلت عرش الإمارة بعد وفاة زوجها الأمير جهان كبير محمد خان سنة 1844م فأدارت بلادها إدارة رشيدة استعلمت فيها الحزم واللين والعدل وتمكنت في مدة ست سنوات من إيفاء كل الديون التي كانت على الإمارة، وألغت كثيراً من الضرائب التي كانت تثقل كاهل الرعية، فقال عنها الكولونل ملسون:
إن سكندربيكم أظهرت نشاطاً وحدة ذهن وحسن إدارة لا تقل عمَّا يظهره أحسن رجل سياسي مقتدر.
وفي عام 1863م سافرت الأميرة سكندربيكم إلى البلاد الحجازية لتؤدي فريضة الحج مع كثير من أعضاء عائلتها وأنابت ابنتها جهان بيكم في إدارة شؤون الإمارة مدة غيابها، ولما قضت حجها، وقفلت راجعة إلى بلادها وضعت كتاباً وصفت فيه ما شاهدته في رحلتها هذه، وتوفيت في 30 تشرين الثاني سنة 1868م.
زبيدة بنت جعفر المنصور - زوجة هارون الرشيد
أسهمت إسهامات عظيمة تجاه طرق الحج والأراضي المقدسة في كل من المدينتين المقدستين مكة والمدينة.
ويذكر الحربي وهو أحد الرحالة المسلمين الأوائل إحدى عشرة محطة ومنزلاً على طريق الحج مزوّدة بوسائل حفظ المياه، سواء كان ذلك على شكل آبار وأحواض، إضافة إلى القصور والحصون، ويروي الفاكهي أن السيدة زبيدة قامت برحلة الحج سنة 211هـ ( 826م) فأنشأت على إحدى البرك التي أقامتها بالمعلاة بمكة غرفة سفلية وأخرى علوية يقيم فيها القائم على البركة والذي يتولى حراستها وصيانتها والقيام عليها، ويشير البغدادي في (تاريخ بغداد) أنها أنفقت في إحدى رحلاتها لمكة (أربعة وخمسين ألف ألف) خلال ستين يوماً، فرفع وكيلها حساب النفقة، فنهته عن ذلك، وقالت: ثواب الله بغير حساب.
وورد في أعلام النساء في عالمي العرب والإسلام لعمر رضا كحالة ما نصه: (وأما الآثار الجليلة التي خلفتها وانتفع بها العالم خير انتفاع فهي كثيرة جداً منها أنها سقت أهل مكة الماء بعد أن كانت الراوية عندهم بدينار وأسالت الماء عشرة أميال بحط الجبال وتحت الصخر حتى غلغلته من الحل إلى الحرم، ومهدت الطريق لمائها في كل خفض ورفع وسهل وجبل ووعر؛ وعرفت هذه العين بعين الشماس وكان جملة ما أنفق عليها مما ذكر وأحصى ألف ألف وسبعمائة ألف دينار.
ووصف اليافعي في القرن الثامن للهجرة تلك العين فقال: إن آثارها باقية ومشتملة على عمارة عظيمة عجيبة مما يتنزه برؤيتها على يمين الذاهب إلى منى من مكة ذات بنيات محكم تقصر العبارة عن وصف حسنه وينزل الماء منه إلى موضع تحت الأرض عميق ذي درج كثيرة جداً لا يوصل إلى قراره إلا بهبوط كالبير يسمونه لظلمته يفزع بعض الناس إذا نزل فيه وحده نهاراً فضلاً عن الليل.
وقال بن جبير بعد أن ذكر المصانع والبرك والآبار والمنازل التي من بغداد إلى مكة: إن كل ذلك من آثار زبيدة فانتدبت لذلك مدة حياتها فأبقت هذا الطريق مرافق ومنافع).
شجرة الدر أم خليل الصالحية
ورد في أعلام النساء ما نصه (من شهيرات الملكات في الإسلام ذات إدارة وحزم وعقل ودهاء وبر وإحسان ملكها الملك الصالح في أيام والده واستولدها ولده خليل ثم تزوجها وصحبته ببلاد الشرق ثم سارت معه إلى جسر الكرك).
وفي سنة 648هـ قامت السلطانة المصرية شجرة الدر برحلة الحج براً، فأمرت بإصلاح الطريق وحفر الآبار وبناء البرك على طول درب الحاج المصري، وقامت بتوزيع الهدايا على الأعراب. وتعتبر أول من أعاد استخدام الطريق آل سينائي من السلاطين المصريين.
قطر الندى ابنة خمارويه ابن أحمد بن طولون
والأخير هو مؤسس الدولة الطولونية في مصر.
سنة (254-292هـ) وقد خطبها الخليفة العباسي المعتضد وعلى أثر عقد الخطبة عقدت بين مصر والخلافة معاهدة سلم وصداقة اعترف الخليفة بمقتضاها بولاية خمارويه على مصر والأراضي الملحقة بها من الفرات شرقاً إلى برقة غرباً. وقد أراد خمارويه أن يجعل من تلك الرحلة الشّاقة خلال القفر الشاسع نزهة هينة ممتعة، فأمر أن يبنى لها على رأس كل منزلة (محطة) تنزل بها قصراً وثيراً.
سالمة بنت سعيد بن سلطان
حاكم عمان وزنجبار
(1804 - 1865) والتي أحبت وتزوجت شاباً ألمانياً ورحلت معه إلى ألمانيا، وعندما حنت إلى وطنها عادت بعد عشرين عاماً وسجلت مذكراتها التي تقارن فيها بين تقاليد وعادات بلدها وما رأته وعاشته في الغربة.
نعمات أحمد فؤاد
في عام 1968م قدمت لنا الكاتبة المصرية نعمات أحمد فؤاد «رحلة الشرق والغرب» وكانت رحلتها خير تمهيد لما فعلته ليلى العثمان الروائية والقاصة الكويتية حين زارت اليمن ثلاث مرات في عام واحد وهو عام 2004م، ونشرت ما كتبته عن هذه الرحلات في كتاب عنوانه ( أيام في اليمن) صدر في العام نفسه.
عائشة بنت عبدالرحمن بنت الشاطئ
تحدث عنها الأديب الباحث عبدالله بن حمد الحقيل -رحمه الله - في كتابه (رحلات الحج في عيون الرحالة وكتابات الأدباء والمؤرِّخين) فقال:
(الدكتورة عائشة عبد الرحمن المولودة سنة 1921م بدمياط والمعروفة باسم بنت الشاطئ، ولقد اشتملت رحلتها إلى الحج التي قامت بها ومشاهدة قوافل الحجيج وتنقلهم، حيث ذكرت عدداً من الأمور التاريخية بجانب ما تحدثت عنه وأفاضت فيه من مشاعر إسلامية متدفقة. إنها رحلة إلى الحج وما فيها من عبر وعظات ودروس ومشاهد وآثار تبدأ قائلة:
(على غير موعد كان هذا إلقاء مع التاريخ كنت في المغرب الأقصى مشغولة بدراستي القرآنية في جامعة القرويين، أرى فيها الجهاد والعبادة.
وقومنا هنا مشغولون بوداع خمسة عشر ألفاً من الحجاج المغاربة في حفلات شملت ربع البلاد في الريف والصحراء والعواصم، وفي الثغور على حافة البحر وسائل المحيط.
وسيطرت هذه الحفلات على الأفق كله، بمراسمها وتواشيحها، فأرهفت شوق القاعدين وأنا منهم، وآرقني الحنين إلى الحرمين، من حيث بدا أن لا مكان لي على الطائرات المحجوزة إلى آخر يوم يدرك موسم الحج، وقد أذن الله فهيأ لي الأسباب من حيث لا أتوقع، وفي ثلاثة أيام لا أكثر كانت إجراءات سفري. وصحبتني رعاية الله في رحلتي من الدار البيضاء إلى الديار المقدسة مع آخر فوج من الحجاج المغاربة..
وشهدت الموسم مع مليون وخمسين ألف حاج وسعتهم الأرض المباركة، حيث يقضون معاً مناسك حجهم، ويتحركون في وقت واحد من الطواف إلى المسعى، ومن منى إلى عرفات ويفيضون منها قبل الفجر إلى المزدلفة، وتجمعهم « منى» على الرحب والسعة في ليلة عرفة، ويوم النحر وأيام بعده... في كل خطوة وكل موقف ومشهد وجدتني مع التاريخ في البيت العتيق وأم القرى.
تلكم هي شذرات من درر وفوائد النساء الرحالات وقد كتب لكل واحدة منهن الخلود والاستمرار على صفحات التاريخ فلله درهن.
** __ ** ** __ ** ** __ ** ** __ ** ** __ **
مراجع المادة:
- أعلام النساء في عالمي العرب والإسلام، لعمر رضا كحالة.
- رحلات الحج في عيون الرحالة وكتابات الأدباء والمؤرّخين لـ عبدالله بن حمد الحقيل.
- رحلات النساء في التراث العربي. بقلم محمد بكري وعمرو منير.
- الحياة الثلاثاء 25 آب (أغسطس) 2015م.
- الحياة السبت 26 أبريل / نيسان 2014م.
** **
- بنت الأعشى -